الحدقة

ولم يعرف ذلك السر الذي جعل الأشياء تنتقل من أمكنتها، وسبب وجود جسده ممددا خارج السرير عندما يصحو. وقد اختفت بعض الكتب من مكتبته ، وقصائد كثيرة ،واختفى الحمام الذي كان يضع له الحبوب على الإطار الخشبي للنافذة ..
حتى هو .. كان يختفي .. ولا يعود إلا بعد عدة أيام .. وأكثر من مرة وجد نفسه نائماً في الحديقة على المقعد الحجري . أو جالساً تحت المطر يرسم على جذع شجرة البلوط العملاقة هيكلاً كروياً وقدمين ،ويدين ، ورأساً كروياً ، وعصا مدببة .و سمع الجيران يتحدثون عن شيطان يسكن حارتهم، ويعيش في غرفة قريبة ،من هنا ،وعن أشباح كثيرة تنتقل في الهواء كشراشف بيضاء ..
اتكأ بظهره على جدار غرفته المتصدع .. حتى انكسر جفنه ونام. رأى حلما غريبا فقد كان على جداره حدقة تتحرك داخل عين كبيرة تتسع وتتسع حتى ابتلعته .. ورأى الرجل الكروي يقترب بعصاه المدببة ويرميها عليه فتخترق قلبه ثم قلب حبيبته التي كانت تحتمي به عارية.نهض مذعورا. كانت أصابعه ترتعش كرغبة ميتة .. وجسده يلفظ صدأ حركات حلمه الأخير.
سمع طرقات على الباب فاتجه ليفتحه . ظهر جاره وبجانبه زوجته .. صرخ في وجهه .
إننا نسمع ليلاً أصوات استغاثة تنبعث من غرفتك .. وصراخاً عميقاً .. وبكاء .. واهتزازاً في جدران غرفتك .
ثم بعد ذلك ظهر رجل آخر .. وقال : إنك ممسوس .. وآخر : إنك لا تجعلنا ننام .. وآخر : إننا نخاف على أطفالنا منك .. وآخر : إننا لا نستطيع أن نصلي .. وآخر ينظر دون أن يتكلم.
وشاهد وجه محافظ المدينة .. يشطأ بين الوجوه ورئيس تحرير المجلة التي يعمل بها .. وأصدقاءه الأدباء.. ثم رجال المصحة . كأن العالم كله أتى ليراه، وقد احتار الجميع كيف اختفى من أمامهم. ولم يسمعوا سوى صوت انكسار زجاج النافذة وتناثره على الأرض .
كان يركض .. ويركض .. التفت خلفه .. فشاهد البيوت تجري وشاهد المدينة كلها تركض كان يركض .. وحدقة كبيرة مشعة .. تصعد .. تصعد أمامه .

https://kalamfisyassa.com

اترك رد