الكاتب المصري محمد الكفراوي يكتب: وعلى ليبيا السلام…

         

منذ بداية الحرب التركية في ليبيا عبر المرتزقة التي استوردها أردوغان من سورياإلى جانب ميليشيات جماعة الاخوان الليبية وبغطاء من حكومة الوفاق الليبية المنتهية ولايته ـ  والكلام عن السلام في ليبيا لا ينتهي .

كانت مصر هي أول من دشنت الطريق إلى السلام ، من خلال مؤتمر نظمته القاهرة وحضره الرئيس السيسي والمشير ،خليفة حفتر قائد الجيش الوطنيالليبي ،عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي المنتخب .

بعدها توالت دعوات السلام من الشرق والغرب ، من تونس والجزائر ومن امريكا وفرنسا ، وربما يكون اعلان السلام الذي اعلنه، فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الاخوانية مؤخرا هو استجابة لتلك الخطوات.

هل يمكن الوثوق بحكومة الوفاق؟

اعلان الميليشيات باستجابتها لدعوة السلام تشوبه فقدان الثقة لغياب مصداقية تلك الجماعات طوال الوقت ، ففايز السراج نفسه وهو رئيس الحكومة المنتهية صلاحيتها وفقا لاتفاق الصخيرات بالمغرب في 2015 ، وهو الاتفاق الذي تم تحت إشراف الامم المتحدة بالاتفاق على بناء مؤسسات الدولة الشرعية والرسمية خلال 18 شهرا، واذا تعذر تمتد المهلة 6 أشهر أي عامين . من المفترض أن هذين العامين انتهيا في 2018 ، إلا ان حكومة الوفاق لم تتخذ أية خطوات جدية في سبيل بناء مؤسسات الدولة او تشكيل الهيئات المهمة أو حتى إدماج الميليشيات الاخوانية المسلحة في الجيش الوطني الليبي .

انقسمت ليبيا الواقعة تحت سلطتهم الى مناطق نفوذ . كل ميليشيا تعتبر نفسها صاحبة النفوذ في تلك المنطقة .. وهكذا . وحين حاول الجيش الوطني الليبي تحرير طرابلس من الميليشيات المتصارعة ، في خطوة جدية لبناء الدولة ، لجأ فايز السراج إلى المنفذ الاقليمي الحامي للإخوان في المنطقة ممثلا في تركيا ، اعتبرها نصيره وحليفه القادر على التصدي لجيش بلاده .

الأمر ليس جديدا على الاخوان أن يستعدوا دولا أخرى على بلادهم ودولتهم . فهم ـ نظريا على الأقل ـ لا يؤمنون بفكرة الدولة ، يعتبرونها فكرة غربية دخيلة على الوطن . يؤمنون بدولة الخلافة ، بالامة الاسلامية ، بالجماعة . هذا هو دأيهم وديدنهم أينما وجدوا .

تركيا وافقت على التدخل في ليبيا ومدها بالسلاح والمرتزقة مقابل السيطرة على النفط الليبي . تحدت تركيا القرار الأممي بحظر دخول السلاح الى ليبيا ، اعادت تفاصيل التدخل التركي في ليبيا إلى الأذهان البلاهة الاخوانية الثقيلة، أياماعتصامهم الشهير في رابعة عندما هتف احد قادتهم من فوق منصة الاعتصام بان الأسطول الخامس الامريكي على مشارف الاسكندرية .

حين بدأت تركيا التدخل في ليبيا اصطدمت بإرادات دول عدة . منها فرنسا وروسيا والامارات وألمانيا وغيرها من الدول التي تسعى للوصول الى حل في ليبيا .

مصر في مقدمة القوى التي وقفت في وجه الاحتلال التركي لليبيا، حيث تنظر مصر إلى ليبيا باعتبارها جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، الأمن القومي لمصر يمتد من الأطلسي وحتى جبال اسكندرون، كان ذلك عبر التاريخ ومازال وسيستمر وهي مسألة حياة أو موت، دعمت مصر الجيش الوطني الليبي والبرلمان المنتخب في ليبيا ، تواصلت مع وجهاء القبائل الليبية الذين يشاركون مصر الهموم والهواجس واللغة والاحلام . كان التفويض الذي منحوه للجيش والقيادة المصرية نتاجا طبيعيا لخيار الشعب الليبي في مقاومة قوة احتلال متسترة بمرتزقة سوريين وجماعات جهادية لا دين لها ولا وطن .

حين أعلنت مصر أن سرت والجفرة خط أحمر، فهمت تركيا أنها لن تتمكن بمليشياتها الليبية والمستوردة ومعداتها العسكرية الحديثة من السيطرة على نفط ليبيا الذي سال لعاب أردوغان عليه، ظنا منه أن ليبيا ليس لديها رجال يدافعون عن كرامتهم وأرضهم، ومن ثم لن تتمكن من تحقيق هدفها في ليبيا وهو تسديد ثمن تلك الحملة العسكرية من  بيع النفط . بل وزاد الامر بلة أن الميليشيات الرابضة في طرابلس بدات تختلف على مناطق النفوذ ، بل وترددت انباء عن حالة من غياب الأمن والأمان تسود طرابلس ومصراته بسبب هجوم الميليشيات على الأهالي وعمليات السرقة والسطو تحت تهديد السلاح وحالة من الفوضى والتخبط مما أدى بسكان طرابلس للخروج ومواجهة ميليشيات الاخوان والمرتزقة المجلوبين من سوريا بصدورهم العارية .

كل ذلك ربما جعل تركيا تلجأ لاستخدام السراج ك” كارت محروق ” ليعلن أن حكومة الوفاق تمد يدها بالسلام ويشكر مصر على جهودها لإرساء السلام ، ليبدو الامر وكان هناك معاهدة سلام يتم التريب لها لضبط الاوضاع في ليبيا ، لكن لا تكاد تمر 24 ساعة حتى يكشف الجيش الليبي عن تحركات تركية تجاه سرت وحشد تركي نحو سرت . بمعنى ان كلام السراج وتلويحه بالسلام لم يكن سوى خدعة .

الجيش الليبي أبدى جاهزيته واستعداده للتصدي لأي محاولة، يعلم الليبيون وقيادات جيشهم ووجوه قبائلهم ان التدخل التركي لم يتدخل لينسحب دونما غنائم وقد خبروه عبر التاريخ على الأقل ما يسدد به تكلفة الحملة العسكرية التي خاضها لمساندة الميليشيات ، وفي الوقت نفسه لاعادة تدوير الميليشيات الارهابية المسلحة التي سبق ان رباها الاتراك ودعموها واستخدموها في سوريا. ودخول ليبيا الى هذا النفق يجعلنا نتساءل هل ستحظى ليبيا بالسلام؟

متى يمكن ان يتحقق هذا في ظل الحضور الاخواني المسلح  المدعوم بتركيا شمالا وبحركة النهضة التونسية غربا؟

إن الرهان على الجيش الوطني وأبناء القبائل الليبية، النسيج الاجتماعي لليبيا عبر التاريخ، ومؤازرة أخوتهم المصريين والدول العربية ذات التأثير، هو الوحيد في ظل المواجهات المحتملة، بدون ذلك ستتحول ليبيا أندلسا أخرى لم نصنها، وعلى ليبيا السلام ولليبيا كل السلام ودوامه.

اترك رد