حداد عام
سمعت ذلك الخبر المريع: لقد مات الزعيم .
خرجت الجماهير إلى الشوارع .. وبدأت آيات من القرآن الكريم تسمع من المآذن ومن آلات التسجيل الموضوعة في شبابيك البيوت. ودقت أجراس الكنائس لحنا جنائزيا.. وعم العويل الأرض والسماء ، وكثرت حالات الانتحار الناتجة عن ضرب الأجساد العارية بالزجاج والسكاكين؛ومات أشخاص في المسيرات العارمة دهسا.
عمّ الحداد العام ..فتوقفت المعامل والمصانع والأعراس والمهرجانات وعلت الرايات السوداء فوق أسطح البيوت. ولبس الرجال والنساء الثياب السوداء . وغطى الشحوب سماء المدينة.
وفي يوم كئيب صعدت إلى سرفيس مكتظ بالركاب ، وحينما جلستـ، شققت النافذة قليلا، فهب هواء بارد ..جعل دمعي يسيل، عندها تفجرت صرخة ناحبة، صاحبتها امرأة كانت تجلس أمامي؛ قد شاهدت عيني المغرورقتين بالدموع. فصارت تضرب بقبضتيها على صدرها بقوة كالأم الثكلى .أثناء نزولي ، اصطدمت بطفلة وأنا في حالة شرود،اعتذرت مبتسما لها، ولم أعرف ماذا حصل أو لم حصل ذلك ؟ فقد انهال علي رجال بالضرب المبرح لطما ورفسا، فوقعت على الأرض من الألم .
ومن بين الأقدام التي كانت تعلو وتنخفض بكل ثقلها على لحمي ، رأيت المرأة تضع يدها على فم الصغيرة ، مانعة إياها من الزعق والبكاء ؛ ثم توارتا عن الأنظار . وضعوا الأصفاد في يدي .. وذهبنا .
وجدت نفسي مسجونا في قبو،لا تدخله الشمس ، وحولي أناس يئنون من الألم، فقط لأنهم ابتسموا والبلد في حالة حداد عام ؛مثلما حدث معي تماما.!