إدلب.. القادم المجهول
الكارثة التي حلت في سوريا حتى الآن ستبدو كما لو أنها تمرين على الكارثة الأقسى التي ستحل في محافظة أدلب السورية، هذا ما تريد قوله الأخبار القادمة من هناك، فالقوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الحدث السوري لا تخفي رغبتها في إلحاق الهزيمة الماحقة بالتنظيمات الإرهابية وتحديدا جبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” و جماعة “حراس الدين” بأقنعتها التي لا تستر حقيقتها الواضحة، والراعي الإقليمي للمتطرفين على طول زمن المأساة لا يخفي هو الآخر اطماعه في هذه البقعة، وبات على أبواب اعلان براءته من الإرهاب الذي كان السند والعون له، باتت ادلب البقعة اليتيمة في العالم التي يسيطر عليها ما تبقى من مجاهدي تنظيم القاعدة.
قلما وجدت منطقة في العالم اجتمع فيها كل هذا الخليط المتفجر، فالجبهة التي أسستها تركيا مؤخرا من بقايا الميليشيات الجهادية “الجبهة الوطنية للتحرير” لا تختلف كثيرا عن النصرة وحراس الدين وداعش إلا بالتزامها بالقرار التركي، وهي إن رفضت مرارا أية ضمانات دولية ـ غير تركيةـ للوصول إلى حل تفاوضي مع النظام وما زالت مصرة عبر برامجها على إسقاط النظام وإقامة الدولة الإسلامية وما زالت تقول بحكم الشرع ورفض أي مشروع لدولة ديمقراطية ويبدو أنها تستعد الآن لتغيير منهجها في لحظة واحدة بعد أن تركت المناطق التي سيطرت عليها خلال سنوات المحنة وخرجت بضمانات روسية إلى إدلب.
يبدو أن سباق المسافات الطويلة على الملعب السوري قد وصل إلى مراحل متقدمة ولم يبق على الأطراف التي اتخذت من هذا الملعب أرضا لتصفية حساباتها إلا الالتقاء وهذا ما ظهر مؤخرا في الحراك الدبلوماسي النشط سواء تعلق الأمر في اجتماع الاستانة والذي خرج منه موفدي النظام والمعارضة وأمارات الخيبة والغضب لا تخفي نفسها على وجوههم فقد وصلوا أخيرا لقناعة أن حضورهم هو فقط للتوقيع على سجل الحضور، حتى فضيلة الاستماع لما يُرتب لهم فهي كبيرة، وكانت مواربة المندوب الروسي ألكسندر لافرنتييف “لا عملية عسكرية واسعة قريبا في إدلب”، ولقاء المستشارة الألمانية بالرئيس الروسي وتحذيرها من “كارثة إنسانية في إدلب وسوريا والدول المجاورة”، وكذلك التحذير الأمريكي من استخدام الأسلحة الكيماوية في إدلب والتصريحات الفرنسية المتكررة التي تبدي خشيتها من تفاصيل جانبية في المعركة الأخيرة في الملعب السوري قبل بدء عملية إعادة الاعمار واللاجئين إشارات واضحة إلى إمكانية التقاء القوى الرئيسة المتصارعة على الأرض السورية وهي على مستويات متباينة ومصالح من الممكن أن تلتقي بعد كل الدماء التي سالت، أولها تركيا وإيران وإسرائيل حيث إمكان التقاءهم على الأرض السورية تحصيل حاصل رغم ما يبدو من صعوبةوالقبول الروسي بمشاركة إيرانية لها في مناطق نفوذها. إلا إن الحل المأمول في سوريا يشترط العبور من خلالهما، والمستوى الآخر وهو الروسي الأمريكي الأوروبي وهو الأيسر من حيث إمكانية اللقاء، وأما السوريون بما يطرحونه من معارضة ونظام باختلافهم وخلافهم فهم بانتظار ما يرتب لهم الآخرين.
هكذا جاء اتفاق الرئيسين بوتين وأردوغان 17 سبتمبر، كتأكيد لا مجال للشك فيه أن السوريون غائبون عن تحديد مصيرهم وحتى معرفة ما يرتب لهم، فالاتفاق الروسي التركي حول إدلب لم يستوعبه السوريون حتى الآن ومع مظاهر الفرح التي أبدتها الميليشيات الإسلامية في المحافظة المكتظة بالاتفاق عبر مظاهرات الجمع اللاحقة وشعاراتها، إلا إن موضوعة تسليم أسلحتها وتسليم مصادر تمويلها الأساسية “المعابر الحدودية” أمر يصعب عليها القبول به، وتبقى مهمة التخلص من الجماعات الإرهابية وبالتحديد “جبهة النصرة” يكاد أن تكون مستحيلا بدون حرب باهظة الثمن تركيا، وأما حسابات السوريين فهي في مهب الغياب ولا أحد بوارد إحصاء الخسائر فالحرب ما زالت في إحدى محطاتها وما الهدوء الحالي إلا مصلحة دولية لتمرير الوقت والتفرغ إلى ملفات أخرى بعيدة عن الساحة السورية ولم يستطع طرفا الحرب السوريين، النظام والمعارضة المسلحة، من طرح أي رؤية لقيام دولة لجميع السوريين، وإنما تراوح هدفهما في كرسي السلطة بأي ثمن فذهبت الدولة ولم يبقى لهما إلا سلطة القتل، قتل من لا ضريبة على قتله وهم فقراء سوريا الصامدين فيها طبعا.