رسائل أنقرة وصمت القاهرة.. الملفات العالقة تعطل المصالحة المصرية التركية

في أقل من أسبوع، تحدث 3 مسؤولون أتراك بشكل إيجابي عن مصر، ما ينم عن رغبة أنقرة في تحقيق المصالحة مع القاهرة وإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، لإنهاء خلاف دام أكثر من 8 سنوات.

لكن التصريحات التركية المتكررة الراغبة في المصالحة، قابلتها مصر بالصمت ولم تعلق عليها۔

وقال المحلل السياسي التركي، أحمد أويصال، مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط، إن التصريحات التركية جاءت لتشجيع القاهرة على تحقيق التعاون بين البلدين بما يخدم مصالحهما المشتركة في منطقة شرق المتوسط.

وأضاف أويصال، الأستاذ في جامعة إسطنبول، في حديثه مع موقع قناة “الحرة”، إن الرسائل الإيجابية متبادلة بين الطرفين، مشيرا إلى “احترام مصر حدود الجرف القاري التركي عند التنقيب عن البترول في شرق المتوسط”.

كانت مصر قد أعلنت في 18 فبراير الماضي، طرح أول مزايدة عالمية للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي واستغلالهما لعام 2021، لتغطية 24 منطقة للتنقيب في خليج السويس والصحراء الغربية وشرق وغرب البحر المتوسط، راعت فيها الخلاف بشأن الحقوق التركية في شرق المتوسط.

بينما يرى الدكتور عبد المنعم سعيد، عضو مجلس الشيوخ المصري، أن الصمت المصري تجاه هذه التصريحات يعني أن هناك أمورا ناقصة في حديث المسؤولين الأتراك بخصوص القضايا الخلافية بين البلدين يجب استكمالها.

وأضاف سعيد في تصريحات لموقع “الحرة” أن مصر ترى أن هناك بعض الأوضاع التي يجب تغييرها من قبل الجانب التركي فيما يخص ملفي شرق المتوسط وليبيا.

التصريحات التركية

يوم الإثنين، قال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين، في مقابلة مع وكالة “بلومبيرغ”: “يمكن فتح فصل جديد في علاقتنا مع مصر ودول الخليج، للمساعدة في السلام والاستقرار الإقليميين”.

وأضاف: “مصر دولة مهمة في الوطن العربي، وتبقى عقل العالم العربي، وهي قلب العالم العربي”، وتابع “نحن مهتمون بالتحدث مع مصر حول القضايا البحرية في شرق البحر المتوسط، إضافة إلى قضايا أخرى في ليبيا، وعملية السلام والفلسطينيين”.

وأشار إلى أن القاهرة وأنقرة يمكنهما معالجة عدد من القضايا مما يساعد على خفض التوترات وتحقيق الاستقرار الإقليمي من شمال إفريقيا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.

وفي مطلع الأسبوع الجاري، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، إن مراعاة مصر للجرف القاري التركي خلال أعمال التنقيب عن الطاقة في شرق البحر المتوسط يعتبر تطورًا مهمًا للغاية.

وأكد أكار أن أنقرة تنتظر استمرار القاهرة باحترام للجرف القاري التركي في أنشطة تنقيب. وأضاف: “لدينا قيم تاريخية وثقافية مشتركة مع مصر، وبتفعيل هذه القيم نرى إمكانية حدوث تطورات مختلفة في الأيام المقبلة”.

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو صرح الأربعاء الماضي، أن تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إذا سنحت الظروف.

إيجابية جدا

وذكر المحلل السياسي التركي، إسلام أوزكان، أن التصريحات التركية إيجابية جدا، وتشير إلى أنه سوف يكون هناك تقارب وتحسن في العلاقات بين البلدين.

وأضاف أوزكان في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أن مصر أكثر حرصا علي تحسين العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أن “القاهرة هي التي غيرت موقفها من خلال مراعاتها للمصالح التركية في شرق المتوسط، وأن تركيا استجابت لهذا تغير”.

منذ عام 2013، أخذت العلاقات بين البلدين منحنى جديد، بسبب رفض أنقرة عزل الجيش المصري للرئيس الإخواني السابق محمد مرسي، والقبض على قيادات الجماعة، وتم على إثر ذلك قطع العلاقات بين البلدين، ورفض إردوغان الاعتراف بالنظام المصري الجديد ممثلا في الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وتصاعد الخلاف بسبب موقف البلدين في عدد من القضايا، أهمهما تقاسم ثروات شرق المتوسط، وانخراط مصر في مفاوضات بشأن تقسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان دون وجود تركيا. 

وكانت مصر وقعت في أغسطس الماضي، اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان، لكنها حذفت المنطقة المثيرة للجدل الخاصة بحدود جزيرة كاستيلوريزو، التي تصر تركيا على أنها تقع داخل حدودها البحرية، بينما تتمسك اليونان بتبعية الجزيرة ومنطقتها الاقتصادية لها، بحسب ما أفادت وكالة بلومبيرغ .

وارتفعت وتيرة التصعيد بين البلدين، والتي وصلت إلى حدود الحديث عن احتمالية المواجهة العسكرية، بعد توقيع أنقرة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني، والتدخل في ليبيا لمساعدتها في مواجهة قوات حفتر المدعومة من مصر.

لكن خلال الشهور الماضية، تراجعت حدة التصعيد بين البلدين، وبدأ الحديث عن مفاوضات، وخاصة مع دعوات الحكومة التركية للقاهرة للتفاوض بشأن ترسيم الحدود البحرية.

حدوث تقارب

ويعتقد أويصال إلى إمكانية حدوث مصالحة وحوار بين البلدين على المدى المتوسط، مشيرا إلى أن المصالح المشتركة بين البلدين يمكن أن تتجاوز أي خلاف سياسي

وأوضح أوزكان أن هذه التصريحات والتطورات في العلاقات لم تكن آنية بل إن المفاوضات بين البلدين مستمرة منذ أكثر من سنتين، مشيرا إلى أن عودة العلاقات إلى ما قبل 2013 لن يتم في أيام أو أسابيع بل ستستغرق وقتا طويلا

وفي سبتمبر الماضي، كشف الكاتب والمحلل السياسي التركي، حمزة تكين، المقرب من السلطة الحاكمة في تركيا، ومحلل سياسي تركي آخر، وهو فراس رضوان لموقع “الحرة” عن معلومات مؤكدة لديهما تشير إلى اجتماعات مصرية-تركية، على مستوى مخابراتي، بشأن الأوضاع في ليبيا، الأمر الذي لم تنفيه مصر.

وذكر عضو مجلس الشيوخ المصري، أنه لا يستبعد حدوث تقارب بين البلدين، مشيرا إلى أن الأوضاع بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط تشهد هدوءً نسبيا.

وبحسب وسائل إعلام يونانية، فإن مصر فتحت باب التفاهم مع تركيا فيما يخص شرق المتوسط، وذكرت أن أثينا تلقت معلومات حول قرب توصل مصر إلى اتفاق مع تركيا بشأن ترسيم حدودها البحرية، وأن هذا الاتفاق سيلحق ضررا بالمصالح اليونانية مستقبلاً.

وأكد سعيد أن رغبة أنقرة في التصالح مع مصر هي محاولة لتقليل نسبة عدائها مع دول المنطقة، وخاصة بعد تزايد الخلاف بينها وبين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بسبب صدامها مع اليونان على ترسيم الحدود البحرية، بالإضافة إلى تدهور اقتصادها وانهيار سعر العملة التركية

وأشار إلى أنه رغم الخلاف بين البلدين إلا أنهما جنبا العلاقات الاقتصادية والاستثمارات بين البلدين هذا الخلاف، وظلت العلاقات الاقتصادية مستمرة بينهما.

ورغم الخلاف بين البلدين، بلغ حجم الصادرات إلى تركيا، في 2018 إلى 2.2 مليار دولار، كما ارتفع حجم واردات مصر من تركيا بنسبة 29 في المئة في 2018 ليبلغ نحو ثلاثة مليارات دولار، مقارنة بـ2.3 مليار دولار في 2017.

وشهد الميزان التجاري بين البلدين نموا بنسبة 20 في المئة ليتجاوز 5.2 مليار دولار في 2018 مقارنة بـ 4.38 مليار خلال العام 2017.

إظهار حسن النية

ولم تكن هذه التصريحات التركية هي الأولي من نوعها، ففي ديسمبر الماضي، أكد وزير الخارجية التركي أن بلاده ومصر تسعيان لخارطة طريق بشأن علاقتهما الثنائية، وأشار إلى أن التواصل مع مصر على الصعيد الاستخباراتي مستمر لتعزيز العلاقات، وأن الحوار قائم على مستوى وزارتي الخارجية”، وأفاد بأن “التواصل بين البلدين يتم أيضا عبر ممثلتيهما في أنقرة والقاهرة”

كما أكد الرئيس التركي في أغسطس الماضي علي استعداد بلاده للحوار مع مصر.

وردت القاهرة بأنها “تحتاج إلى أفعال وسياسات لبدء صفحة جديدة”.

أما عما تريده القاهرة من أنقرة، فشدد سعيد على ضرورة أن تبدأ أنقرة في سحب المرتزقة السورية من ليبيا،  لإظهار حسن نيتها على المصالحة مع مصر. أما بالنسبة لملف وجود أعضاء جماعة الإخوان في إسطنبول، قال سعيد إنه سيكون موجود في المفاوضات بين البلدين ولكن لن يكون عقبة كبيرة، وأن التقدم فيه مرتبط بالتقدم في الملفات الأخرى كما حدث مع قطر.

وأضاف سعيد أن تركيا تريد أن تكون حاضرة في مفاوضات ترسيم الحدود مع مصر، وهو ما ترفضه القاهرة قبل التوقيع على قانون البحار، السند القانوني الدولي لأي عملية تفاوض.

بينما أشار أوزكان إلى أن التحركات على الأرض لإظهار حسن النية، يجب أن تكون متبادلة من الطرفين، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال تطوير العلاقات الاقتصادية، وتحقيق التعاون الاستراتيجي والسياسي في ليبيا

المصدر: الحرة

https://kalamfisyassa.com

اترك رد