Home قالت العصفورة أبي والعصافير

أبي والعصافير

by ميلاد ديب
0 comments


أبي العزيز :
هل تعتقد أن الأحلام يمكن أن توحّد العواطف ؟ وتكون أقرب إلى الواقع من الواقع نفسه . سأروي حلمي لك بكل تفاصيله : الليلة الماضية .. رأيتك في واد عميق ، ترفع يدك للأعلى وتصرخ باسمي .. نزلت المنحدر إلى الوادي الغارق في العتمة المدلهمة .. بحثت عنك طويلا و لم أجدك، كان معولك الذي لمسته مرارا .. مرميا على الحجارة بجانب النهر . . حملته ومضيت . ندهت : أبي .. أبي ! لم ترد. كان غيابك أقوى من حبي لوجودك . لحظتها شعرت بالألم المهمل يسري في عروقي ويتفجر بكاء ونحيبا غاضبا.
استيقظت من حلمي متعرقا وخائفا . لم اذهب إلى مدرستي ، اعتذرت عن الحضور ثم حزمت حقيبتي .. وجئت إليك .. ضممتك بلهفة عند رؤيتك جالسا إلى الكرسي تتأمل الشمس الغاربة .. تلمستك بأصابعي .. ومررت يدي فوق يدك .
لاحظت في عيني ترقرق الدموع ورجفة الروح . علمت وقتئذ أن الحلم يصنع الخوف .. كما يصنع الفقد . ترويت حتى هدأت . لم أصارحك بشيء .. ولم أرو لك حلمي . لقد غرت في صمتك الطويل النبيل . نظراتك اللامعة صنعت من الإيحاء لغة ذات معان جديدة .
لم تسألني لم تركت مدرستك وطلابك .. وأتيت بشكل مفاجئ إلى القرية ؟. . كنت عاشقا للصمت وللحب . أبي العزيز : لقد ورثت الهدوء من النسيم .. والحكمة من المطر .. والحنين من الشجر حينما يثمر .
أتذكر عندما أخذتني وأنا لم أتجاوز السابعة من العمر إلى الجبل .. هناك فرشت ذراعي وطرت حقا .. عندما رفعتني فجأة للأعلى . روحك الصامتة تغلغلت في روحي .. فسبحت في فضاء لازوردي مشع .. وحلقت في عينيك الضاحكتين .. الجائعتين للبراري .
أتذكر علبة الصفيح المملوءة بالماء المخلوط بسم دود ة الثمار .. و مرشك ذا الذراع المعدنية . كنت ترش أشجار التفاح . . وتنتقل من شجرة إلى شجرة..وحينما نبهتك إلى أنك تجاوزت شجرة تفاح ذات الثمار الحمراء.. وضعت الصفيحة على التراب.. ورفعتني ، لأرى عشا تضج فيه أربعة أفراخ لم ينبت عليها الريش بعد .. ونطقت بدفء : ستكون بلابل جميلة حينما تشدو على هذه الأشجار .
عند الظهر ذهبت إلى أعلى الجبل.. حملت معولك لتنظف التراب من النباتات المتطفلة . لم تكن في البيت .. حينما عدت من زيارة خاطفة لأحد الأقارب .. قالت لي أمي أين سأجدك .
أبي العزيز .. في الطريق الصاعد إلى قمة الجبل .. وجدت آثار قدميك .. مضيت مثقلا بتنبيهات الذاكرة والحلم . كانت قدماي مغروستين في الخوف والقلق . . في انتظار الصوت والصدى وتأكيد لحظة الألم السري .
ركضت ، لهاثي كان أشبه بحمحمة حصان بري .. وجسدي المتعرق أغرق ثيابي في بلل مالح .
في الأعلى شاهدتك مزروعا مثل شجرة شامخة .. كنت تتأمل الوادي السحيق .. وتنظر بعيني عصفور إلى السماء والجبال المخضرة . المعول كان أمامك .. وفرحك الجليل أيضا . رمقتني قليلا .. وابتسمت . الشجر كان يزقزق .. والأرض أيضا .. وكنت ماضيا في خوف مستحيل .
اقتربت منك .. فرأيت بلبلا على كتفك .. بلبل طار حينما شاهدني ، وحط فوق الشجرة التي تجاوزتها أنت عندما كنت صغيرا .

You may also like

Leave a Comment

Soledad is the Best Newspaper and Magazine WordPress Theme with tons of options and demos ready to import. This theme is perfect for blogs and excellent for online stores, news, magazine or review sites.

Editors' Picks

Latest Posts

u00a92022 Soledad, A Media Company – All Right Reserved. Designed and Developed by PenciDesign