أردوغان والإخوان المسلمين
لم يكن اختيار الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليوبوش، أسطنبول التركية، لتدشين مشروع الشرق الأوسط الجديد، من باب الصدفة والمزاج، فقد كان أردوغان والإخوان في السنوات الأولى في الحكم، وكان الجمر الذي جهزته الجماعة الإخوانية في أماكن تواجدهم ،يكفي لحفلات الدم التي تحتاجها أزمنة التحولات الكبرى.
الامبراطورية الامريكية مثلها مثل كل الامبراطوريات، لا يمكن أن تكتفي بوراثة مصالح الامبراطوريات التي سبقتها، لا يمكن أن تتحول إلى امبراطور للعالم إلا حين تدفن أعمال سابقيك كاملا، خاصة أن الأمريكي بدأ في اللحظة التي أوكلت أوروبا الكولونيالية زمام أمورها له.
جاء الزمن الذي يعيد فيه الأمريكي رسم ما اقتضت مصالح سابقيه، أن يرسم بخرائطه وتقسيماته التي وجدها تناسبه، تلك حكاية الامريكي مع خرائط سابقه الأوروبي، وقد آن الأوان ليعيد الأمريكي النظر، واعادة النظر تبدأ من الأطراف إلى المركز وليس العكس.
يعرف الأوروبي إن أوهام أردوغان وتجاوزاته ليست بعيدة عن الرغبة الأمريكية الطافحة في إبعاد أوروبا عن مآسي الشرق، لكنها تعرف أيضا، بحكم خبرتها وأذرعها الممتدة في جذور الشرق، أن اللاعب التركي يتجاوز الدور المرسوم له أمريكيا، التجاوزات ليست نتاج الشجاعة أو التهور، إنما مردها لمحدودية الرؤية لدى المرهون لجماعة الإخوان المسلمين وأفقهم المحدود.
جماعة الإخوان، كانت وستبقى في إحدى أوجهها، ضرورة بريطانية لضبط شؤون مستعمراتها في المشرق العربي والهند وباكستان، هذه الضرورة انتقلت بالوراثة من الأب الانكليزي للابن الوريث، الامبراطور الأمريكي، هنا كانت الطامة الكبرى للبلاد التي ابتلت بحصتها من هذا الوباء.
لم يكتفي أردوغان وأحصنته الإخوانية من لعب الدور المخصص لهم في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد،بل بالغوا في أداءه، حتى أنهم نالوا في أكثر من مرة تقريعا مباشرا أو تلميحا من المشغّل الامريكي، في المقابل كانت تكفيه اشارات الإعجاب والثناء من بعض رجالات البيت الأبيض، بين الحين والآخر، حتى صدقوا الدور وبدءوا يتوسعون في رسم الدوائر حول أفقهم السجين لفكرة مميتة.
لم تبدأ تجاوزات أردوغان وإخوانييه مع أزمة ترسيم الحدود البحرية مع القارة الأوروبية، وإنما تتالت على شكل موجات دائرية، لم يكن دعمهم لداعش والقاعدة وشقيقاتها من أذرع الاخوان إلا جزءا من الدائرة الحلزونية التي تلتف على رقابهم منذ نشأة التنظيم في مصر في عشرينيات القرن الماضي ، فالأمور التي تجري تحت الأضواء ليست بذاتت قيمة وأهمية كبيرة في محاسبة المجرمين، فعادة يقدم عتاة المجرمين أدلة على جرائم يرونها صغيرة مقارنة بآثامهم التي لا تغتفر، ولم يكن موضوع الدعم التركي ببعيد عن أعين المراقبين الأقوياء في المنطقة، لتتالى الدوائر حتى تتجاوز القارات من أفريقيا، بدءا من ليبيا وانتهاء بجمهوريات وسط وشمال افريقيا،مرورا بالخليج وسوريا واليمن وليبيا واندونيسيا وشرق أوروبا ، ليصل أخيرا جهة الغرب نحو أوروبا، لقد كبرت الدوائر ولم يبق من مجال للتخلص من الحبال الملتفة.
لا ينسى التركي والكردي والعربي والسرياني والأرمني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما اقترفته أيدي أردوغان وجماعته الإخوانية وتفرعاتهما بحياتهم ومستقبلهم، لقد كانوا التعبير الصارخ لكل رواسب التاريخ الإنساني من جرائم بحق الإنسان الأقرب له، نعم لقد دمّروا ما استطاعوا ويريدون أن يستكملوا رحلة الجراد ولكن هيهات، لقد اوشكت التراجيديا على الفصل الأخير والخرائط التي دشنها، جورج دبليو بوش، أصبحت قاب قوسين من التنفيذ.