أمريكا ومستقبل سوريا

1

ليكون لنا مستقبل كسوريين في وطن صالح للحياة، لا بد من التخطيط والاستشراف ووضع خارطة طريق ودعوة الآخرين، وأقصد هنا غير السوريين، لمشاركتنا في صنعه، حيث لا يمكن صناعة مستقبل بلد في إقليم مضطرب مثل الشرق الأوسط إلا بمشاركة حقيقية للامتداد التاريخي والجغرافي للمكان المطعون بكوارثه، لا يوجد بلد معزول بالعالم يستطيع أن يتقدم وحده، سوريا بمثابة زاوية صغيرة في هذا العالم وتأتي أهميتها في استكمال دورها في الإقليم الذي يقع فيه، خرابها يؤثر على أبنائها أولا أما بنائها وتطورها فهو إضافة واستقرار للإقليم والعالم.

2

تكمن وظيفة السياسي في التحضير والاستعداد لجميع الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة، فاللامتوقع هو الذي يجب الحذر منه أولا والاستعداد له على الدوام، لذا على السياسي الإعداد للمستقبل بتهيئة القوانين التشريعية والاجتماعية والاقتصادية والدبلوماسية وتهيئة الرأي العام وإعداده للتأقلم مع كل التغييرات الممكنة بناء على دراسات مستفيضة وحوارات مع كافة أطياف المجتمع، فالمستقبل ليس يقينا مؤكدا، يشبه إلى حد بعيد علبة مغلقة بإحكام، يجب فتحها بحذر ودراية واستعداد لكل العواقب.

3

يشرح الكاتب الإيطالي، أمبرتو إيكو، تطور الشخصية الأمريكية الأمريكية خلال القرن العشرين فيقول:” إن أبطال اليوم هم أحفاد لعمالقة ولدوا في القرن الذي سبقه، من حينها وآلة التصنيع للإنسان الامبراطوري المنقذ ما تزال تنتج نماذجها البطولية” ويستكمل: “منذ بداية القرن العشرين بدأت الرواية السردية وكأنها تخلت عن فكرة البحث عن الخلاص الجماعي فتحولت عوالمها إلى البراغماتية والنفعية، الغلبة فيها للقوة والنجاح” يقارن بين ثلاثة نماذج طرحتها الثقافة الأمريكية ، آرسين لوبين، حيث المغامرات واللصوصية بوابة الدخول إلى عالم المال والسلطة، وسوبرمان حيث البحث عن النقاء والقيادة وبذل كل شيء فقط لفعل الخير وطرزان الذي جاء من عالم آخر ليؤنسن الغابة التي هي في بعد آخر، أمريكا، الأرض الجديدة، التي قدم إليها الأوربيون كمبشرين وبعد هذه الفواصل تحضر شخصية، جيمس بوند، الذي ينتقل من دولة إلى أخرى ومن قارة إلى أخرى مكررا نظرية تفاوت الأجناس أو درجات التفوق حسب نعبير إيكو، ليحضر أخيرا شخصيات، رامبو ورينغو وباقي السلالة التي تختصر التفوق الأمريكي العابر للأمكنة والأزمنة، التفوق الذي لا يمكن الشك فيه في كافة مجالات الحياة.

4

كان الآباء المؤسسون للإمبراطورية الأمريكية يسعون لبناء دولة لا حدود لها من الحرية والقوة في الآن ذاته، الحرية بالمعنى الأمريكي، حيث لا تؤدي إلى المساواة والعدالة بأي شكل من الأشكال ولا تتعهد إلا بتلك اليوتوبيا التي لم تتحقق في يوم من الأيام، والقوة بالمعنى الشامل حيث الصورة التي نراها اليوم، لم تتأسس كإضافة عابرة لخارطة العالم وإنما كانت على الدوام بمثابة قلب العالم الذي يحدد توجهاته.

5

 

انكشف ما سمي بالربيع العربي على حقيقته عاريا في سوريا، لم تخطئ رؤية النهاية الدامية لعواصف “الثورات” في المنطقة العربية إلا كل جاحد أو مضطرب من قصر النظر، كان الأمر واضحا منذ البداية، الداعم الأول كانت الجماعة المقاتلة الليبية “فرع القاعدة في ليبيا” بقيادة عبد الحكيم بلحاج، التي استولت على طرابلس في ليلة ظلماء ليس فيها إلا بدر قناة الجزيرة وهي تزأر بمراسليها المدربين جيدا على تتبع خطى المجاهدين والانتحاربيين من جبال تورا بورا إلى صحاري الربع الخالي وفي طريقهم لجبال العلويين في سوريا، حاملين الراية السوداء، راية الخلافة القادمة من غابر التاريخ وبدعم معلن من سادة العالم، كانت الأمور تبدو في ظاهرها مقلوبة، تنظيم القاعدة يتحالف مع “عدوه” التاريخي ويجتاح العواصم والمدن العربية.

6

ذهب الرئيس أوباما مع شعارات “الثورة والتغيير” بقيادة من يسميهم الإرهابيين ، شعر قادة الإخوان المسلمين بنشوة الانتصار وسط الخرابات، ذهبوا بعيدا حتى إنهم لم يستطيعوا السيطرة على اندفاعهم في مواجهة الزلزال المدمر، حين فاجئهم الجيش المصري وبتحالف معلن مع الدول العربية ذات الثقل في خلعهم عن الحكم، كان الرد حازما، وكانت الصدمة أكبر من أن يستوعبها العقول الضحلة التي تستثمر أقوى وأبهى ما في المنطقة، الدين الإسلامي، في صراعات دموية تقضي على مستقبل المسلمين أولا وأخيرا وتجعل حياتهم جحيما قبل يوم القيامة.

7

قبل رحيل أوباما عن السلطة، كانت الرؤية الأمريكية تحبّذ انتشار الحروب الأهلية لتشمل جغرافيات المسلمين كلها، كأن تلك الرؤية تستند على مقولة للروائي الفرنسي الفذ، فيكتور هوغو : “الهمجية لا تردعها إلا الهمجية” وكأنها تقول: “خير لنا أن يقتلوا بعضهم البعض كي يكفوا شرّهم عنا”، كأن المقولة هذه هي أس السياسة الأمريكية منذ 11 سبتمبر 2001، الإرهابيين يسيرون بقوافل ولديهم دول من غاز ونفط اسمها قطر، حيث أكبر القواعد العسكرية الأمريكية على أرضها، وأخرى اسمها تركيا وهي عضو في حلف الناتو وفضائيات تنقل تحركاتهم في العالم وفي مقدمتها قناة الجزيرة القطرية التي أصبحت لسان حالهم الرسمي.

8

صنعت فضائيو الجزيرة الحرب في سوريا، الحقيقة أن الحرب كانت خامدة أيقظتها قطر بإعلامييها الإسلامويين، وساندتها تركيا بالخطوط الحمراء لأردوغان وأسلحته التي يوزعها حسب درجة الأخونة الإسلاموية، واعلن الرئيس المصري المخلوع فتح باب الجهاد دون استحياء، ظهر الربيع على حقيقته ولم يبق في القلوب والبلاد ما يسرق.

9

لم يدخل الإسلامويين مكانا إلا ودمروه على رؤوس أهلها أولا، تجارب أفغانستان وإيران والسودان والصومال وغزة والعراق وليبيا وسوريا واليمن ولبنان أمثلة لأولي الألباب، ولم يدخلوا مكانا إلا وكانت أمريكا حاضرة كداعم في البداية ومن ثم تُقلب الأدوار، الحرب على الإرهاب ماركة مسجلة MADE IN USA لكنها لا تحضر إلا بعد أن تحقق غزوات الجهاديين أهدافها ويتمدد الخراب طولا وعرضا ويهرب من يستطيع الهروب أفواجا، فهل تحول السوبرمان مع التأسلم إلى مجرد قاتل من أجل القتل؟

 

اترك رد