الإخوان والتنظيم السري في جريمة قتل فرج فودة.. “الجزيرة” تواجه “الاختيار”
أعاد المسلسل المصري “الاختيار” وقناة “الجزيرة” القطرية التذكير بجريمة اغتيال المفكر المصري الراحل فرج فودة، بعد تحريض مباشر على قتله من جانب تنظيم الإخوان الإرهابي وحلفائه.
وقام مسلسل “الاختيار” بالتذكير بالواقعة من خلال تسليط الضوء على جرائم الإرهاب وتضحيات الشرطة المصرية من جهة، ومن خلال واقعة تدعو للسخرية، بطلها أحد المشاركين في العمل، وهو الممثل أحمد الرافعي، الذي كتب منشورا في يونيو 2019، على موقع “فيس بوك”: “إنها المرة الأولى التي يظهر فيها المصريون الفرح لموت إنسان.. من تعليق لأحد الكتاب في ذكرى نفوق فرج فودة”.
وكان الكاتب المشار إليه هنا هو المفكر المصري علي سالم، الذي يشتهر أكثر بكونه مؤلف مسرحية “مدرسة المشاغبين” الشهيرة، التي لعب بطولتها نجوم الكوميديا المصريون: عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وحسن مصطفى وسهير البابلي.
منشور “الرافعي” استفز “سمر” ابنة المفكر الراحل فرج فودة، وردت عليه: “حضرتك ماقلتش رأي مقابل رأي، فكر مقابل فكر، ساعتها كنت احترمتك، واحترم اختلافنا في الآراء والأيدولوجية، حضرتك اكتفيت بالسب والقذف كعهدنا بكم، واكتفيت بمشايخك اللي كذبوا وافتروا وظلموا وشهدوا زورا أمام المحاكم وبيانات التكفير ولما ما لقيوش رأي يردوا به ملأوا أيديهم بالدم”.
وبعد مرور 28 عاما على وفاته، خرجت قناة “الجزيرة” القطرية لتعيد بث فيلم وثائقي عن “فرج فودة”، أخذت تبرر فيه اغتياله مرددة خطابات تنظيم الإخوان وحلفائها من أصحاب الفكر الإرهابي المتطرف.
ولد فرج فودة في محافظة دمياط المصرية عام 1945، حصل على ماجستير العلوم الزراعية ودكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس.
شارك في تأسيس حزب الوفد الجديد، ثم استقال منه لرفضه تحالف الحزب مع جماعة الإخوان لخوض انتخابات مجلس الشعب المصري العام 1984.
أثارت كتاباته جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، فقد طالب بفصل الدين عن السياسة والدولة وليس عن المجتمع، لكن أبواق التطرف والإرهاب سارعت إلى تكفيره وإهدار دمه.
عاش فرج فودة حياته يناضل ويكتب ضد الفكر الإرهابي ودعوات القتل وصناعة الموت والاغتيالات، التي بدأت تظهر بقوة مع ازدياد عنف الجماعات الإرهابية المتدثرة برداء الإسلام كذبا في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
ومع كل كتاب جديد له كان يواجه سيلا من الاتهامات إلى أن قرر عقد مناظرة مع أصحاب الفكر المتطرف والمنغلق على هامش فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في 8 يناير عام 1992.
كان عنوان الندوة “مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية”، وكان فرج فودة من أنصار الدولة المدنية مع الدكتور محمد أحمد خلف الله، في مواجهة الجانب الآخر، الذي يضم المفكر الإسلامي الشيخ محمد الغزالي، ومأمون الهضيبي، مرشد جماعة الإخوان الإرهابية، وقتها، والكاتب الإسلامي الدكتور محمد عمارة.
في المناظرة التي حضرها نحو 30 ألف شخص، لم يتخل فرج فودة عما سطره في مؤلفاته على مدار أعوام طويلة، وتمسك بالدعوة إلى فصل الدين عن الدولة ونشر مبادئ التنوير ومجابهة الفكر بالفكر والرجوع إلى العقل والتدبر لإجهاض أية محاولات لتفتيت الوطن وقتل أحلام المساواة والمواطنة والوحدة.
بدأ المناظرة المفكر محمد الغزالي، مطالبا بتفعيل حدود الشريعة الإسلامية، خاصة القصاص والعودة إلى التراث السماوي والخلاص من أفكار الغرب التي جاءت مع الاستعمار، داعيا إلى حرب الثقافات الأخرى ليعود الإسلام كما كان سابقا، لتكوين حكومة إسلامية.
ولم يبتعد مرشد الإخوان “الهضيبي” كثيرا عن طريق “الغزالي”، إذ قال إن الامتثال للشريعة الإسلامية والحكم بما أنزل الله من أركان العقيدة، وأمرا واجبا يعد الخروج عنه كفرا وفسوقا، وأن الديمقراطية غير مرغوب فيها، والأهم مواجهة ما وصفه بـ”الغزو الثقافي والتربوي الذي يطالب بمدنية الدولة”.
بدأ فريق الدولة المدنية، بالدكتور محمد خلف، الذى اهتم في بداية كلمته بإيضاح الفرق بين الدولة المدنية والدولة الدينية، وكيف أصبحت الأمم والشعوب قادرة على أن تكون مصدرا للسلطات.
وأوضح أنه بالرجوع للقرآن الكريم، نجد أن الله لم يصف نبيه الكريم ولو لمرة واحدة بأنه حاكم أو ملك، وإتمام الدين وفقا للمفاهيم القرآنية لا علاقة لها بإقامة الدول، فالأمر كله يدور حول رسالة سماوية دينية لهداية الناس، ولذا كانت سلطة النبي محددة بالدعوة إلى الإسلام ومكارم الأخلاق، وليس مسيطرا ولا مهيمنا، وما عليه إلا البلاغ.
وشدد على أن الدعوة إلى إقامة الخلافة لا علاقة لها بصحيح الدين، فالمسلمون هم من اختاروا الخليفة بعد وفاة الرسول، ولم يكن هناك تكليف إلهي بإقامة الخلافة، وهنا تكون من أمور الدنيا ومدنية الدولة.
بالعودة للتيار الإسلامي، هاجم محمد عمارة الدعوة إلى مدنية الدولة، واعتبرها علمانية أتت بها رياح الاستعمار الغربي لتخترق القانون المصري.
وذهب عمارة إلى تبرير عنف الجماعات الدينية وما يرتكبوه من إرهاب واغتيالات، واعتبر ذلك كله نتاجا لسياسات الدولة بحقهم ومنعهم من إبداء الرأي والتنظيم، وظهرت باعتبارها “أنياب وأظافر” للجماعة الإسلامية حينما وضعتها الدولة على المحرقة.، على حد تعبيره.
وجاء دور الدكتور فرج فودة، خلال المناظرة، ليتحدث عن الفارق بين الإسلام الدين “في أعلى عليين” والدولة التي تعد كيانا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا تلزمه برامج تفصيلية تحدد أسلوب الحكم، مؤكدا أن من ينادون بدينية الدولة لا يهتمون إلا بالشعارات ويتجاهلون تقديم برامج سياسية تكون أساسا لنجاح الحكم.
في حجته الثانية، استند “فودة” إلى تصريح لـ”الغزالي” يقول فيه: “إن كانت الخلافة الإسلامية استمرت قرونا طويلا، لكن خلال أعوام طويلة شهدت خلافات لا آخر لها، وفقدت الصواب والرشد والشورى”.
وعن التجارب الحقيقية لدول طبقت الشريعة الإسلامية بعد المناداة بالدولة الدينية، تساءل “فودة” مطالبا فريق التيار الإسلامي بالإشارة إلى الدولة النموذج أو التجربة الناجحة، مستندا إلى مقولة لـ”الغزالي” جاءت في إحدى المجلات: “الإسلاميون منشغلون بتغيير الحكم والوصول إلى السلطة دون أن يعدوا أنفسهم لذلك الأمر”.
ودعا “فودة” المنادين بدينية الدولة إلى إعداد وتجهيز التجربة قبل المناداة بها، ولكن من خلال برامج واضحة ومحددة وبعيدة عن الأقوال العامة والشعارات، قائلا: “نزهوا الإسلام ووحدوا كلمتكم قبل أن تلقوا بخلافاتكم في وجوهنا.. وقولوا لنا متى سنرى برامجكم السياسية “.
وأضاف دليلا آخر على ضرورة التمسك بمدنية الدولة، لخصه في دعوات الإرهاب والقتل والسطو على المحلات العامة وتمزيق الوطن بالفتن، قائلا: “يحدث كل هذا ونحن على البر، فماذا يحدث للبلد بعد أن ندخل في الدولة الدينية؟! فإذا كانت هذه البدايات فبئس الخواتيم”.
وفي النهاية، طلب “فودة” ردا واضحا من “الهضيبي” على عدة أمور: “قولوا لنا هل أفعال الصبية الذين يسيئون للإسلام بالعنف والإرهاب والقتل، وهو دين الرحمة، منكم أم لا؟ وهل التنظيم السري لجماعة الإخوان جزءا من فصائلكم أم لا؟ تدينونه أم لا؟”.
وبهدوء شديد يرد الهضيبي مرشد جماعة الإخوان الإرهابية: “بخصوص الإرهاب وجهاز التنظيم السري، فنحن نفخر ونتقرب إلى الله بالتنظيم السري”.