قبل أربع سنوات، نشرت صحيفة بريطانية دراسة تقول، إن موقع «فيسبوك» سيتحوّل بحلول عام 2098 إلى أكبر مقبرة افتراضية في التاريخ. وبرّرت ذلك بتجاوز عدد المشتركين عتبة المليار ونصف مليار، وقالت إنه مع التطوّر التكنولوجي ولجوء أبناء الأجيال اللاحقة إلى وسائل تواصل أخرى، فإن عدد المسجلين الجدد سيؤول إلى التناقص وعدد المستخدمين المتوفين في تزابد مستمر إلى أن يبلغ الذروة.
وما يزيد تلك الدراسة قيمة و»واقعية»، أن مؤسسة فيسبوك ترفض مسح حسابات المستخدمين المتوفين، لتتحوّل إلى مزارات افتراضية، يحج إليها أحباب المتوفي، في الوقت الذي يشاؤون، فبعضهم يكتب له أشياء حميمية، كأنه ما يزال يعيش معه وبعض آخر يخبره ببعض مستجدات الحياة وبعضهم يكتفي بالدعاء والانصراف.
هو حال كثير من أصدقائنا الذين فقدناهم في السنين القليلة الماضية، وإن كان عددهم قليل في السابق، إلا أنهم في تزايد مستمر، إلى أن ننضم إلى قائمتهم الطويلة، ضمن هذا الفضاء التواصلي الذي سيتحوّل شيئا فشيئا إلى مزار ليس ككل المزارات.
يبدو أن تلك الدراسة، على جديتها، كانت متفائلة بعض الشيء، وأجّلت ميلاد تلك المقبرة إلى نهاية هذا القرن، لأن الحقيقة التي نعيشها، تقول إن الأمر سيحدُث قبل ذلك بكثير، بدليل أن كثيرا من أبناء الأجيال الجديدة يعتبرون «فيسبوك» آلية تجاوزها الزمن، ويتواصلون فيما بينهم باستعمال وسائط أخرى، إضافة إلى أن الموت في تسارع مستمر منذ أن بدأت هذه الجائحة.
عندما تفتح فيسبوك هذه الأيام، كأنك بصدد قراءة لوحة إعلانات الوفيات التي كانت تعلّق سابقا عند الأماكن الإستراتيجية للمدن والتجمعات السكانية، ولا يمرّ يوم إلا وتقرأ عشرات إعلانات الوفيات تتعلق بأناس تعرف بعضهم عز المعرفة، وتكتفي في كثير من الحالات بكتابة عبارات التعزية، وتحرص في كل مرة على أن تنوّع في صياغتها حتى تبدو أكثر صدقا في مشاعرك.
وإن كنت تملك حسابا في فيسبوك، فاحرص على الاحتفاظ بكلمة السر ولا تخبر بها أحدا حتى تحظى بقبر افتراضي جميل، وإلا عبث البعض بحسابك وساعتها لا يعرف «زوكربيرغ» إن كنت حيا أو ميتا.
نقلا عن جريدة الشعب الجزائرية