الدوريات الروسية – التركية بريف الدرباسية بين طموحات انقرة وتخوف الأهالي من تكرار سيناريو راس العين / سري كانية وتل أبيض
تُسيّر الشرطة الروسية, دوريات مشتركة مع القوات التركية من قرية “شيريك” في ريف مدينة الدرباسية الواقعة 80 كلم الى الشمال من , وذلك تطبيقاً لقرار تم الاتفاق عليه بين موسكو وانقرة , للتأكد من انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية من الحدود الى عمق 40 كلم.
وتنطلق الدوريات المشتركة باستمرار من قرية “شيريك” التي تقع غرب مدينة الدرباسية بمسافة 13 كلم , وهي قرية صغيرة تقع على الحدود تماما, بعدما فتحت الدولة التركية ثغرة في الجدار الذي وضعته بداعي حماية حدودها , بهدف تسيّر الدوريات المشتركة في المنطقة للتأكد من انسحاب وحدات حماية الشعب وخلوها من الاسلحة الثقيلة , التي تزعم تركيا بان ذلك يشكل تهديداً “لامنها القومي”.
وانطلقت اخر دورية مشتركة من قرية”شيريك” بعد ان وصلت 6 عربات للشرطة الروسية قادمة من القامشلي ،وبعد ان عبرت 4 عربات عسكرية تركية الى الاراضي السورية ،دون ان يرفع الجانبان اعلام بلادها على العربات العسكرية وسط لتحليق مروحي روسي على علو منخفض فوق سماء المنطقة.
تواصل “كلام في السياسة” مع “سيراج خلف” الذي يبلغ من العمر 37 عاماً, وهو كردي هو من ابناء القرية الذين قرروا البقاء في قريتهم بعد مغادرة الجزء الاكبر من ابنائها منها خوفاً من التحركات التركية بالقرب من قريتهم الحدودية الصغيرة , وقال :” نحن نشعر بالخوف الكبير من التحركات التركية بالقرب من قريتنا , فهم فتحوا ثغرة في الجدار , وهذا يشكل خوفاً كبيراً لدينا , ونخشى ان يتكرر سيناريوا راس العين وتل ابيض في منطقتنا.”
واضاف خلف :” لا املك اي منزل في المدينة او مكان اخر ألجأ اليه , جيراني واقاربي غادروا القرية وسكنوا في المدينة لكونها اكثر امناً من القرية , لذلك قررت انا وعائلتي البقاء في القرية رغم الخطورة الكبيرة و الخوف الشديد الذي نعيشه , لكن لا نملك اي بديل اخر سوى مواجهة الوضع الحالي.”
وتوجهت الدورية نحو قرية دليك القريبة ومن ثم نحو قرية ملك وظهر العرب وكسرى وهي قرى تقع بين الدرباسية وابو راسين بريف راس العين / سري كانية، ومن ثم عادت الدورية في الطريق ذاته وتوجهت الى شيريك لتنهي الدورية هناك.
وترافق الدوريات العسكرية هذه مروحيتان روسيتان ، وتستمران في التحليق بسماء المنطقة على علو منخفض ،وتغادر المنطقة بعد انتهاء كل دورية.
وتعليقاً على هذه الدوريات قالت “نوجين نوح” وهي صحفية كردية محلية تقوم بتغطية التحركات الروسية والتركية داخل الاراضي السورية , بان الشرطة الروسية وبناء على طلب من الجانب التركي تقوم بإبعادهم عن الدوريات وتعرقل عملهم”.
واضافت نوح :” نتوجه الى الشرطة الروسية والقوات التركية وهم يجتمعون قبل انطلاق الدوريات لوضع خططهم والمناطق التي سيتجولون فيها , وذلك لتصويرهم ونقل الحدث عن قرب , إلا أننا نشاهد بان القوات التركية تلوح بيدها للشرطة الروسية وتقول لهم ابعدوهم عنا لا نريد ان يتم تصويرنا.”
وتابعت :” نحن نقوم بواجبنا المهني ولا نخاف من مضايقتهم لنا نتابع عملنا بشكل مستمر ,انا اقوم بمتابعة الدوريات باستمرار في ريف الدرباسية , كان معي زميل مصور اراد تقديم باقة ورد للشرطة الروسية في احدى المرات لمعرفة ردة فعلهم وهل سيتمكن من الاقتراب منهم , لكني تفاجئت بان الشرطة الروسية لوحت بسلاحها نحوه ومنعته من الاقتراب لمسافة 10 امتار منهم وطلبت منه التراجع على الفور”.
وفي تصريح لـ”الكلام في الساسة ” قال الكاتب والسياسي الكردي “حسين عمر ” :”اعتقد بان تسيير الدوريات لحد هذه اللحظة هي ارضاء لتركيا من قبل روسيا ولهذا لا يمكن ان نقول بان الدوريات الا وسيلة من قبل تركيا لتعزيز تواجدها ومراقبتها للمنطقة بشكل اوسع، مع اخذ العلاقة الروسية التركية المتطورة على كافة الاصعدة بعين الاعتبار وهذه العلاقة تترجح لصالح تركيا اذا تعلق الامر بسوريا وخاصة شمال شرق سوريا .
واضاف عمر :”باعتقادي ليس هناك ضمانات من جانب روسيا ولا امريكا بمنع اي عدوان تركي مرتقب ،واذا لم تقم تركيا حتى الآن باستكمال عدوانها واحتلال اجزاء اخرى من مناطق شمال شرق سوريا ، هو الضغوطات الدولية وكذلك الرأي العام التركي هو الذي منع استمرارية العدوان”.
واشار عمر إلى ان قسد استفادت من هذه الفترة “الفترة التي يتم فيها تسيير الدوريات” لكن في حال بدأ تركيا اي عدوان جديد فان الاوضاع لن تكون افضل حالا مما سبق.
ولفت عمر إلى انه يبدو له بان الظروف الدولية غير مؤاتية حاليا لهجوم مباشر وخاصة مع انتشار وباء كورونا الخطير.
ورأى عمر بأن الدوريات ستستمر لحين تغيير الظروف الحالية واحتمالية عدوان جديد غير مستبعد ابدا, بحسب تعبيره.
وقال “نوزت جان” وهو محلل عسكري يراقب الدوريات الروسية والتركية المشتركة منذ انطلاقها حتى اخر دورية , بأن الدورية التي انطلقت المرة الاولى توجهت من ريف درباسية الغربي الى ريفها الجنوبي والشرقي وصولاً الى ريف عامودا الغربي , لكنها بقيت في نطاق ضيق ومنطقة محددة فيما بعد , حيث ان الدوريات الروسية والتركية تتجول ففط في الريف الغربي لمدينة الدرباسية والشرقي لراس العين , وهي تتجول في القرى ذاتها ولا تغير مسارها.”
اضاف :” انا اراقب الدوريات باستمرار فهي تبقى في عدد من القرى الكردية والعربية وهي غنية زراعياً , وان العربات العسكرية التركية مزودة بكاميرات عالية الدقة وتقوم بتصوير كل شيء موجود في المنطقة , حتى ان الجنود الاتراك يصورون الصحفيين والمدنيين الذين يتواجدون في محيط الدوريات عبر موبايلاتهم.
وتابع :” كان هناك رفض اهلي واسع للدوريات التركية والروسية في المنطقة , وتم رشقها من قبل النساء والرجال والاطفال بالحجارة والاحذية وعلب الدهان , رفضاً منهم لتجول الاتراك في مناطقهم ,ولم يتعرضوا لاخر دورية بسبب فرض الحجر الصحفي بسبب فيروس “كورونا” عليهم من قبل الادارة الذاتية , وان الاهالي يتخوفون من تكرار سيناريو راس العين وتل ابيض في مناطقهم”.
كما اخذ “الكلام في السياسة ” رأي سيدة كردية اربعينية تدعى ” ناريمان – ام نيجرفان” وهي من سكان قرية “بركفري” التي تتجول فيها الدوريات الروسية والتركية , وقالت ناريمان :” نحن نتخوف كثيراً من التحركات التركية في قريتنا , ونشعر بان هذه التحركات هي بداية احتلال مناطقنا , فمشهد راس العين لا يزال امام اعيننا , شاهدنا كيف ان النساء والاطفال والشيوخ يفرون من القصف التركي , وهم الان لا يجدون اي مأوى يحميهم , بعد ان تركوا منازلهم قسراً.”
واضافت : ” نحن لا نريد الاتراك في قريتنا ومناطقنا , نحن نعيش في امان وسلام , ولا ينقصنا شيء سوى العيش بسلام دون حروب ودون اراقة الدماء , نحن نريد حماية دولية ولا نعتدي على احد فقط نريد ان ينتهي الحرب في بلادنا “.
وقال احمد رشو من ابناء مدينة الدرباسية :” نشعر بان سيناريو الدوريات الامريكية والتركية بريف تل ابيض , ومن ثم دخول تركيا لراس العين وتل ابيض بعد العديد من الدوريات هناك , سيتكرر في مناطقنا ايضاً بعد الدوريات الروسية والتركية المتكررة في ريف الدرباسية.”
واضاف :” نحن لا نريد لتركيا ان تدخل مدينتنا , نشاهد ماذا جرى ويجري في راس العين , تم تهجير سكانها ودخلها مسلحين لا نعرف من اين هم , ولا يقبلون للمدنيين بالعودة لمنازلهم , هذه المشاهد مؤلمة لنا , نحن نعيش في امان الان ولا نريد اي قوات جديدة تهاجمنا وتشردنا , نطالب بحماية دولية لنا ولابنائنا ونسائنا من اي هجمات قد تقع علينا.”
وسيرت القوات التركية والروسية أول دورية عسكرية مشتركة في شرق الفرات شمال شرقي سوريا بداية شهر نوفمبر من العام الماضي ,في إطار جهود تأسيس المنطقة الآمنة بموجب تفاهم سوتشي المبرم بين الجانبين في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ،وبدأت هذه الدوريات بعد أيام من الانسحاب الكامل لوحدات حماية الشعب العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية المدعوم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن , من منطقة تمتد 30 كلم على الجانب السوري من الحدود التركية وتأكيد الجانب الروسي بانها اصبحت خالية من الاسلحة الثقيلة ومن المقاتلين , وتسير هذه الدوريات بعمق 7 كلم داخل الاراضي السورية.
اتفاق سوتشي تم التوصل إليه بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان ,بعد هجوم شنته أنقرة استهدفت فيها قوات سوريا الديمقراطية والمدنيين من ابناء المنطقة واجبرتهم على النزوح، ما غيّر المعادلات على الأرض. فمنذ هجوم أنقرة في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019 الذي سبقه انسحاب أمريكي من نقاط حدودية عدة تقع بريف راس العين / سري كانية وتل ابيض بناء على قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب، اختلطت الأوراق في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، ودخلت قوات النظام وحليفتها روسيا لاول مرة المنطقة الحدودية منذ انطلاق الازمة السورية.
ويذكر أنه في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، انسحبت قوات أمريكية حاربت لسنوات إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المكون من ابناء جميع مكونات المنطقة ضد تنظيم داعش “الدولة الإسلامية”، من نقاط حدودية عدة مع تركيا. بعد يومين، بدأت تركيا وفصائل الجهادية والاسلامية المتطرفة السورية الموالية لها هجوماً ضد ابناء المنطقة وقوات سوريا الديمقراطية سيطرت خلاله على منطقة حدودية بطول نحو 120 كيلومتراً.
وعلقت تركيا هجومها في 23 تشرين الأول/أكتوبر بعد وساطة أمريكية واتفاق مع روسيا تم في منتجع سوتشي على البحر الأسود، على أن تسهل موسكو انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من منطقة بعمق 30 كيلومتراً من الحدود مع تركيا. كما تم الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة قرب الحدود، تستثني بشكل أساسي مدينة القامشلي.
واتفقت قوات سوريا الديمقراطية عقب إيقاف الهجوم التركي مع الحكومة السورية , على نشر القوات السورية على طول الحدود بين سوريا وتركيا وذلك بهدف حماية الحدود , واقامت القوات الحكومية نقاط ثابتة على طول الحدود من ريف سري كانية حتى المالكية في اقصى شمال شرق سوريا.
ويرى المراقبون بان هذه الدوريات لا تلبي طموحات انقرة في المنطقة , لكونها تريد احتلال المزيد من الاراضي السورية , ولانها تراقب المنطقة باستمرار عبر استخباراتها وعبر طائراتها المسيرة التي تسير فوق سماء المنطقة باستمرار.