الذي حجر نفسه
أغلق النوافذ والابواب ، واسدل الستائر ، وحجر نفسه في بيته . مر اليوم بسلام ، قرأ فيه وكتب واكل واتته احلام سعيدة وفي اليوم الثاني استطاع ان يكتب قصة ، وفي اليوم الثالث شعر ان عالمه اغنى في وحدته . وتتابعت الايام والشهور ، وهو على هذه الحال لايذهب الى احد او يأتي اليه احد . كان يكتب ويقرأ ، ولم ينتبه الى ان طعامه المخزن على وشك النفاذ . وان مؤنته تكفيه اياما قليلة فقط . اهل قريته لم يفكروا ان يطرقوا بابه ، معتقدين انه غير موجود . أما هو فكان يراقبهم وهم يمرون من الطريق الترابي امامه دون ان يشعروا بوجوده ، وكان يرى ضوء النهار من شق الستائر والجبال الخضراء والليل والقمر والنجوم ، ويصغي إلى هسيس النهر وحفيف الاشجار وزقزقة العصافير ،بمتعة وخوف . إن الوباء ينتشر في البلاد كما تنتشر النار في الهشيم .. لذا اخذ قرارا بالتباعد الاجتماعي . . ولم يحنث به . إلى ان جاء يوم سمع به جرس الكنيسة يقرع قرعا جنائزيا ، وعرف ان احدهم مات .. فخاف جدا لدرجة انه هرب الى غرفة نومه وتغطى بشرشف ابيض بعد ان رشه بمطهر كحولي عدة مرات . وفي اليوم الثاني دق جرس الكنيسة بحزن معلنا عن ضحية اخرى. وبدات الاجراس تدق بسرعة . وضع يده على قلبه الذي صار ينبض اكثر من العادة ، وبدأ يسعل وارتفعت حرارته ، ولم تعد قدماه تحملانه . وفي النهاية سمع دقات على الباب الخارجي مع تصاعد قرع جرس الكنيسة ، دار حول نفسه دورات عدة ثم وقع على الارض جثة هامدة.