ربما علي ان اسرد لكم ودون تحريف اي كلمة من الحوار الذي دار بيني وبين القمّام الذي يبحث في اكياس الزبالة الملقاة على الارصفة وداخل الحاويات ذات الرائحة الكريهة . فعندما دقت الساعة الثانية عشرة ليلا حملت كيس الزبالة ، وهناك صادفته ، كان متعتعا بالسكر فرائحة العرق تفوح منه ، وبدا بقامته القصيرة النحيلة انه ذاهب الى القبر واتى خطأ إلى هذا المكان .
رفع يده المتسخة نحوي وقال : مرحبا ايها الشاعر الصعلوك . تفرست في وجهه التي تعرش عليه لحية رملية اللون .. وفي عينيه المختفيتين وراء نظرات باهتة ، غارقة في ضبابية ، فقلت في نفسي لا اعرفه حقا .من هو ياترى ؟ . حط نظراته المتعبة على الكيس الذي احمله . وقال انت لا تبيع الكلمات اليس كذلك؟ . فضحكت وقلت: ما عاد احد يشتريها، فلا سوق لها هذه الايام .لكن قل لي : هل تعرفني ؟هز رأسه ساخرا من سؤالي ، فهو عرف انه يعرف انني اعرف انه يعرفني . لكن كان لابد من سؤاله لأعرف من هو بالضبط ؟. رد علي بصوت شحيح : المكان المكان مأساة الإنسان .افلا ترى المعجزة في ان احيا بشكل مختلف بعيد كل البعد عن المنبر الذي كنا نلتقي انا واياك هناك في ضجيج الكلمات . وصرخت من انت ؟.انت تعرفني جيدا بالتأكيد . قل لي ارجوك .
قرقرت امعاؤه تلك اللحظة ، فابتسم وهو يتطلع الى لباسي النظيف وشكلي الانيق. ثم خرجت بعض الكلمات من جوفه الجائش :
_ انا انت حين لا يقيدنا شيء.
_ ارجوك افصح.
_ الفصاحة هنا وقاحة .
رميت الكيس في الحاوية وقلت له هيا بنا الى بيتي فانا وحيد منذ زمن بعيد .
حك شعر راسه المشعث ، وبعدها بدا يمسد لحيته .
هل من الضروري ان اذهب الآن؟ فانا تعودت حياة المزابل والنوم في العراء منذ ان تهدم بيتي وماتت عائلتي تحت أنقاضه اثناء الحرب .
ارجوك امض معي . فرؤيتك على هذه الحال تؤلمني جدا . ازداد ت قرقرة امعائه .. وجنح عندها للصمت ثم قال : انت تراني لأنك ترى نفسك عندما تراني . لو لم ترني حقيقة ما كانت احيتني مخيلتك قبل ان اكون . انت شاعر معروف ومهم ، واعرفك جيدا .لكن ما زلت لاتعرف الصعلكة الحقيقة التي كنت تتبجح بها في كتاباتك .
امعنت النظر فيه جيدا ، محاولا تذكر من يكون . ؟
_ لا تتعب نفسك في تعريفي ، او في تسميتي . اترك روحك القديمة فما عادت تنفع الآن ، وغادر دون ان يلتفت خلفه .. حاولت ان اتبعه لكنه ركض بسرعة ، وهو يصيح في قلب الليل العميق :
ألم تعرفني يااحمق؟ ! انا انت . فلماذا تصر على خديعة نفسك.؟
١٥_ ٨_٢٠٢٠