خطوات خجولة للشرطة الفرنسية في مكافحة وباء الإخوان
كلام في السياسة ،وكالات :
زادت التحقيقات الأولية التي تجريها السلطات الفرنسية في الفترة الأخيرة وكشفت عنها وسائل إعلام فرنسية حجم الضغوط المسلطة على ممثلي الإخوان المسلمين في فرنسا، إذ تسعى الفرق الأمنية حاليا إلى تحديد مصادر التمويلات المشبوهة التي يتحصل عليها المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية التابع لتنظيم “مسلمي فرنسا” والذي كان قبل سنوات يحمل تسمية اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا وهو رغم إنكار قياداته لكونه تابعا أو فرعا لتنظيم الإخوان المسلمين إلا أن كل نشاطاته وأيديولوجيته تؤكد صلاته الوثيقة بهذا التنظيم العالمي الذي يسعى لتمكين الإسلام السياسي في مناطق عديدة من العالم وفرنسا أحد أهداف هذه الجماعة الإسلامية.
باريس – أثار تحقيق نشرته صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية الأسبوع الماضي اهتمام وسائل الإعلام هناك على اعتبار خطورة المعطيات التي كشف عنها، فهذا التحقيق الأولي يكشف عن تهم سوء التسيير والتمويل المشبوه والسلوك المهدد للأمن القومي في فرنسا تم توجيهها إلى المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية التابع لاتحاد مسلمي فرنسا الذي يعتبر ممثل تنظيم الإخوان المسلمين في هذا البلد الأوروبي.
وتقول الصحيفة الفرنسية إن مكتب المدعي العام في بلدة بوبيني الواقعة في الضواحي الشمالية الشرقية لباريس وعاصمة إقليم سين سان دوني قد فتح تحقيقا أوليا غير معلن قبل شهر في تهم “خيانة الأمانة” و”إخفاء خيانة الأمانة” تستهدف إدارة المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية.
وقالت مصادر مطلعة إن التحقيقات تتعلق “بأساليب تمويل أنشطة المعهد”.
ووصف الإعلام الفرنسي المعهد المعني بالتحقيقات التي تجري حاليا بـ”مدرسة الأئمة الغامضة” على اعتبار أن مهامه الأساسية تتعلق بتدريب وتأهيل الأئمة والمدرسين ليتم توظيفهم في مرحلة لاحقة في المدارس القرآنية والمساجد.
ويقوم المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية والذي يتخذ من سين سان دوني مقرا له بتدريس اللغة العربية والمواد الإسلامية. ويدرس في هذا المعهد سنويا ما بين 1500 و2000 طالب. وقال محام مقرب من الدوائر الإسلامية “يتردد عليه أيضا غير المسلمين الذين يجذبهم التميز في التدريب”.
ورغم أن “مدرسة الأئمة تتمتع بتقدير أكاديمي من جامعة كريتاي” الواقعة في الضاحية الجنوبية الشرقية لباريس، إلا أنه يكتنفها الكثير من الغموض والأسرار بحسب المصادر الفرنسية.
وتعتبر الأوساط الفرنسية أن الغموض الذي يلف نشاط وشبكة المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية يعود إلى طبيعة محتوى التدريس وأيديولوجية مؤسسيها والمدرسين الذين يعملون بها إلى جانب مصادر تمويلها.
والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية معروف لدى أجهزة المخابرات الفرنسية وهي تضعه تحت رقابتها بسبب تبنيه ودعمه للإسلام الراديكالي بشكل غير معلن حيث يوظف أسلوب التضليل باعتماد خطاب يدافع عن الإسلام المعتدل ونبذ التطرف.
صلات مشبوهة
تعتبر التقارير الإعلامية الفرنسية أن عميد المعهد أحمد جاب الله أبرز مثال لتجسيد التناقض بين الخطاب المعلن لهذه المؤسسة التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين وحقيقة الأفكار التي تؤمن بها وتناصرها.
وجاب الله الذي يسعى للترويج لنفسه على أساس أنه صاحب “سيرة ذاتية رائعة” و”مدافع عن الإسلام السلمي”، لا يستطيع إخفاء حقيقة أنه كان رئيسا لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا والذي غير تسميته في فبراير 2017 ليصبح “مسلمي فرنسا” وهو فرع تنظيم الإخوان المسلمين في هذا البلد الأوروبي. وكان جاب الله رئيسا لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا ما بين عامي 2011 و2013.
ووفق مصادر صحيفة لوباريزيان فإن بعض الطلاب الذين درسوا في “مدرسة الأئمة” أصبحوا جهاديين ومن بينهم رضا حامي الذي تم تجنيده في سوريا لاستهداف قاعة حفلات وتم القبض عليه قبل أشهر من الهجوم على مسرح “باتاكلان” في باريس في العام 2015.
كما تخرجت من المعهد إيناس مدني التي حكم عليها بالسجن 30 سنة لمحاولتها تفجير سيارة أمام كاتدرائية نوتردام في باريس في سبتمبر 2016. فيما غادر البعض من الطلاب الآخرين فرنسا لينضموا إلى جبهات القتال في سوريا، بحسب ذات المصادر.
وقالت مارثا لي، زميلة أبحاث في المرصد الإسلامي التابع لمنتدى الشرق الأوسط، إنه في أعقاب الهجوم على شرطيين العام الماضي سارع الإمام حسن الهواري إلى إنكار أي صلات للجماعات الإسلامية بهذا الاعتداء الدامي.
في أكتوبر العام الماضي، طعن ميكايل هاربون (45 عاما) الذي يعمل منذ 2003 في دائرة المعلومات في مركز شرطة باريس أربعة من زملائه حتى الموت. وقد اعتنق هاربون الإسلام في العام 2008.
ووفق المدعي العام الفرنسي المتخصّص في قضايا مكافحة الإرهاب جان فرنسوا ريكار فقد اعتنق هاربون “فكرا إسلاميا متطرفا” وكان على اتّصال بأفراد من “التيار الإسلامي السلفي”.
وأوضح آنذاك أن التحقيقات الأولية كشفت “تأييده (هاربون) لبعض التجاوزات التي ارتكبت باسم هذه الديانة” و”سعيه إلى عدم التواصل مع النساء بعد اليوم” و”تبديل عاداته لناحية ملابسه منذ بضعة أشهر”.
وذكر الهواري أنه يلقي الخطبة الأسبوعية في مسجد المدينة منذ عام 2015 وأنه “لا يعرف الإخوان المسلمين” وأنه “كان سيلاحظ ما إذا كان هاربون أصوليا”.
وقالت مارثا إن الهواري نفسه قريب من الأصوليين، فهو عضو في المكتب التنفيذي لتنظيم “مسلمي فرنسا” التابع لجماعة الإخوان المسلمين والتي “تحض الشباب المسلمين على التأكيد بفخر على أنهم ينتمون إلى الإسلام”.
وذكرت مارثا لي أن أحمد جاب الله وصف ذات مرة اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا بأنه “صاروخ من طابقين: الأول ديمقراطي والثاني سيطلق مجتمعا إسلاميا”.
كما أن الهواري أيضا محاضر في المعهد الإسلامي الأوروبي للعلوم الإنسانية فرع باريس، والذي يعد إلى جانب فروعه الأخرى بعدد من المدن والمناطق الفرنسية جزءا من شبكة المعاهد الأوروبية للإخوان المسلمين.
وأشارت الباحثة إلى أن المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية قد درب العديد من “رجال الدين” والنشطاء والمسؤولين في جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا. وقالت إنه في العام 2007، تم القبض على أمين صندوق المدرسة محمد كرموس أثناء جلبه لمبلغ بقيمة 50 ألفا نقدا من النظام القطري إلى المعهد.
ولفتت إلى أن كرموس وزوجته يشاركان بشكل وثيق مع المصري القطري الشهير يوسف القرضاوي الذي يدير شبكات الإخوان المسلمين في العالم..
تمويلات غير قانونية
تعليم إسلامي في فرنسا
وتحقق السلطات الفرنسية أيضا في مصادر التمويل المشبوه للمعهد الأوروبي للعلم الإنسانية، حيث تم الكشف عن تحويلات تلقتها هذه المؤسسة من الكويت وقطر.
وفي أغسطس من العام 2018، حصلت “مدرسة الأئمة” على تبرع بقيمة 750 ألف يورو من مؤسسة “قطر الخيرية”. كما حصلت على مبلغ بقيمة 150 ألف يورو من إدارة الشؤون الإسلامية في الكويت في نوفمبر 2019، إضافة إلى تحويل 600 ألف يورو من حساب مصرفي بريطاني كان قد موّل مركزا إسلاميا في مدينة مرسيليا.
وتؤكد صحيفة لوباريزيان أن هذه العمليات والتحويلات غير قانونية، ما جعل المحققين يسعون إلى تحديد المشاريع التي موّلها صندوق الهبة التابع للمعهد. كما تشمل التحقيقات التي تجريها السلطات الفرنسية تهمة اختلاس الأموال المخصصة للمعهد لتحقيق مكاسب خاصة.
ويقول متابعون إن هذه التحقيقات الأولوية تزيد الضغط على شبكات الإخوان المسلمين في فرنسا من طرف السلطات التي تجري استجوابات متزايدة مع القيادات التي تنفذ أجندة هذا التنظيم هناك.
وفي وقت سابق، خضعت مباني المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية لفحص أمني غير معلن، كما أمر محافظ سين سان دوني بإغلاق المعهد لعام واحد في 2019. وتمكنت هذه المؤسسة من مواصلة نشاطها من خلال تأجير غرف في مدارس خاصة في باريس وقالت إن أسباب غلق مبانيها السابقة يعود إلى “أسباب السلامة” ووفق تقديرات “لجنة الحرائق” الرسمية المحلية.
وأطلق المعهد حملات لجمع تبرعات على إثرها تم الإعلان عن إنشاء صندوق هبات لضمان توفر التمويلات يتم توظيفها في تنفيذ خطط المؤسسة وإعادة تأسيس مبانيها. كما أطلقت “اشتراكا في تمويل مشروع حرم جامعي مستقبلي”. كما أطلقت المؤسسة، التي تعيش على التبرعات والتسجيلات من طلابها.
ويجري المعهد عدة اتصالات خاصة مع مؤسسة قطر التي تمول المشاريع الإسلامية حول العالم لتنفيذ خططه ومشاريعه من بينها بناء مركز إسلامي رئيسي في مدينة مولوز.
وقالت مصادر الصحافة الفرنسية “لقد انتهوا لأن المقايضة التي فرضتها مؤسسة قطر كانت لضمان ملكية المبنى”. وتحقق السلطات إلى جانب التقصي في مسألة تمويلات المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، في “التحويلات المالية الأخيرة بين الكويت وقطر والمعهد الدولي للصحة والبيئة”.
ويحاول الإخوان المسلمون في فرنسا التغلغل داخل مؤسسات الدولة والتمدد داخل المجتمع من خلال قوة التعليم الناعمة، حيث كان المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية رائدا في افتتاح المدارس الإسلامية. ويوجد حاليا في فرنسا حوالي ثلاثين مدرسة متخصصة في التعليم الإسلامي من بينها “معهد ابن سيناء” الذي شارك في تأسيسه عمار لصفر رئيس مسلمي فرنسا.
ويثير تنامي التعليم الإسلامي في فرنسا قلق السلطات من صعود شبكة من المدارس الطائفية بإمكانها المساهمة في تغذية الفكر المتطرف.
ولم يخف وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، الشهر الماضي في مقابلة صحافية، مخاوفه من “الإسلام السياسي” ومن تنظيم الإخوان المسلمين.
ونهاية الشهر الماضي، حذر تقرير صادر عن لجنة خاصة في مجلس الشيوخ الفرنسي من خطر الإسلام الراديكالي في البلاد، وأشار إلى الإخوان المسلمين وتغلغلهم في مفاصل المجتمع الفرنسي.
وينكر عمار لصفر أن يكون الاتحاد الذي يرأسه (مسلمي فرنسا) فرعا من جماعة الإخوان المسلمين.
وتتوقع الأوساط السياسية في فرنسا أن تحدّ التحقيقات المتواصلة التي تستهدف المؤسسات التابعة للإخوان المسلمين من نشاط شبكات هذا التنظيم في فرنسا.