رسالة إلى السيد الوطن
رسالة إلى السيد الوطن…
عفوا سيدي الوطن ، لقد سمعت البارحة أمام حاوية الزبالة ، عجوزا يصرخ وينتحب :(وا وطناه ،انا جوعان )اعتقد انك لم تسمعها أبدا . العجوز المحدب الظهر ، لامس رأسه كيس الزبالة ،و صار يقتات مما فيه من فتات .سأقول لك ببساطة وسهولة : ان الذي يحلم برغيف الخبز ،وهو بجانب مكب القمامة ، فذلك يعني انك انجبتنا من سلالة الدود الكريه..و ان ارواحنا اتسخت ،واهترأت بفعل الموت الحقيقي للطخات الزمن والقهر والجوع. صدق سيدي الوطن انني وضعت قليلا من الزيتون الاسود ورغيف خبز قديم لذلك الرجل الذي صار صديقي فيما بعد ، وخجلت كثيرا من اناس كانوا معه ، لأنني لم استطع ان اقدم لهم شيئا . لن أقول لك اكثر من إننا غير راضين عن معداتنا التي نهضم بها ، فهي تطحن نفسها في اغلب الأحيان ،وتعجن ارواحنا الحزينة .ما يؤلمنا أن السيارات الفارهة الممتلئة بأكياس الزبالة ،قد آخت حامليها ، فتحسب ان الرامي هو المرمي ، تلك الرميات الكثيرة ، صارت تكب في ايدي الباحثين في القمامة اكثر مما تصيب عمق الحاوية نفسها ..صرنا بأعماق مملوءة بالفضلات البشرية ، فهجرتنا الأحلام والحب والجمال والموسيقا والعائلة الصحيحة امام اللقمة واللامعنى.
عفوا سيدي الوطن ،إلى متى سنظل هكذا قابعين في الكآبة والقهر والطوابير الطويلة كذيل حيوان جائع. ؟.. إلى متى سنظل مغمسين بالقيح والدموع والفضاء المتسخ بأولادك المنبوذين ؟. حقا نشعر بالذل الفائض ، والجوع الفائض والارض المتفسخة والمدن المكسورة فوق جروحنا الكبيرة . إننا اولاد صغار بحجم لقمة فقط ، فهل تنبهت إلى دفئنا حين تصطك الزلازل بعظامنا ، وحين يسيل الصدأ في شرايينا ، وحين تضيق امعاؤنا حد الزوال.؟
ماذا لديك لنا ؟ وكيف تستطيع ان تجملنا بعد كل هذا؟. هل سنقتنع بقياس نظراتك عن بعد وبيديك المثقلتين بالفراغ وبصدرك المغلق كحجر ثقيل ؟. ارجوك قل لنا شيئا ما ارجوك صحح علاقتنا بك فنحن اولاد الهزال والحياة الهاربة .