سوريا وفلسطين والإخوان
كانت قضبة فلسطين وما زالت هي الرافعة الأولى لجماعات الإسلام السياسي بطبعاته السنية والشيعية، فقد كتبت ظروف نشأتها أن ترتبط بجماعات الجهاد الديني الإسلاموي كرد فعل على اتكاء تأسيس دولة إسرائيل على الرواية التوراتية في تفسيرها الصهيوني.
لا يمكن الرهان على الأفعال التي تأتي كردّ على أفعال سابقة لها، فالردود تكون عادةً من جنس الفعل نفسه، ولكنه أقل تأثيرا وانسجاما مع متطلبات الواقع، وعادة يتصف رد الفعل بأنه أهوج ومنفلت وبعيد عن المحاكمة العقلية، هذا تحديدا ما لا يمكن أن تسمح الجماعات الإسلاموية بمناقشته البتة،فقضية فلسطين تحولت إلى قضية مقدسة منذ ردة الفعل الأولى عن صدامات بين العرب واليهود على خلفية دينية وهذا ما يحصل وحصل في العالم أجمع بين المكونات المختلفة في جغرافيات العالم.
ورثت الأحزاب القومية فكرة قضية فلسطين باعتبارها قضية القدس والمسجد الأقصى تحديدا من جماعة الإخوان المسلمين دونما أية مراجعة لها، وكان تزاوج الناصرية مع الإخوان في انقلاب ضباط مصر على ملكهم أولى ثمرات التشويه الاسلاموي لقضية شعب فلسطين في الحياة وبناء دولته المستقلة، واكتملت ولاية الأحزاب القومية على قضية فلسطين بشكلها الإخواني “قدس الأقداس وتطهيرها من أحفاد القردة” “لا صوت يعلو فوق صوت الجهاد المقدس” ومعها توسعت هزيمة الفلسطيني وملحقا به العربي في المنطقة متحولا بالتدريج إلى سلعة في بورصات العالم السياسي وتحكم سماسرة الحروب.
الحكايات المشوّهة تحوّل المؤمنين بها إلى كائنات معاقة ومعيقة، غير قابلة لصياغة الحياة بمفاهيمها الواقعية، هذا هو حال المؤمنين بحكاية أسلمة القضية الفلسطينية، قدس الأقداس، فمن هزيمة إلى هزيمة ومن فشل إلى فشل وبجريرتهم تسحب الأوطان والشعوب إلى الدرك الأدنى من الحياة، ليست صدفة أن الأوطان المبتلية بتلك الفكرة تعيش المأساة نفسها، ولن تكون صدفة أن رموز الدفاع عن الفكرة هم وجوه الكوارث ورموزها وسدنة الدفاع عنها، من مفتي القدس أمين الحسيني، المثير للجدل إلى مفتي حماس، يونس الأسطل، الذي يدعو إلى قتل كل من يطالب سلطة حماس بتحسين الأوضاع الاجتماعية ومحاربة الفساد في صفوفها.
اجترت سوريا بأكملها الصياغة الإسلاموية لقضية الشعب الفلسطيني دونما جدال، وجاء البعث ليعيد اجترار الفكرة ودمغها مع صور صدام وحافظ الأسد وجمال عبد الناصر ومعمر القذافي، وتحول الموضوع الفلسطيني إلى وسيلة ابتزاز دولية تمارسها عصابات منظمة، عابرة للقارات والهويات، بقي المنبع كما هو، لم يمسه جورج حبش أو نايف حواتمة وغيرهم قيد أنملة، بل عززوا الفكرة الدينية بأهروجات يساروية تثير الاشمئزاز، وكان انتهاء صلاحيتهم أمر مفروغ منه، وعادت الساحة لأصحابها من الإسلامويين وتحديدا جماعة الإخوان، فانتمى البعث السوري والعراقي ومعطوفا عليه الفرغ الإخواني الشيعي، جماعة ولاية الفقيه الإيراني، خلف حماس صفا متراصا لتعميم الهزيمة مرة ثالثة بعد أن أسسوها في العام 1948 وعززوها في حزيران 1967 ليعمموها في الثالثة على بلاد العرب أجمعين وما زالوا في سعيهم يواصلون وبعد أن كانت فلسطين نكبة العرب، توسعت النكبة لتمتد من ليبيا إلى سوريا مرورا بالعراق واليمن . لكن هل ينجحون؟