قالت الداية لأمي وهي ترفع سروالي الداخلي: زغردي ياأم الأولاد، ابنتك عذراء .وانطلقت زغرودة من فمها الشائك صدحت في اوجاعي وتردد صداها بعيدا لتترسب في القاع العميق المنسي لنفسي .
لم يفكوا قيدي ولم يقدموا لي طعاما او شربة ماء ذلك اليوم . تبولت في ثيابي وتشققت حنجرتي من الزعيق المتواصل واحترقت عيناي من الدموع الغزيرة كنت ارتجف من البرد و التعب، واتنفس بصعوبة ،فكأن على صدري جثمت صخرة كبيرة . ان حياتي كما عرفتها، هي عيش في غرفة مغلقة بالمفتاح ، مثل خشخاشة دفن الموتى عند المسيحيين . هكذا عرفت العالم الذي اسكنه واعيش فيه . ربما لم يعد من بارقة امل لعمري الطفولي . ولا يمكن ان اقول غير ذلك . فتوتري العصبي تفاقم داخل هذا البيت المقنن بالحب والحرية والحنان. ومرت علي سنوات صعبة جدا قضيتها ممددة على سريري مثل مومياء انتزعت منها روحها .. اشتقت كثيرا ل(د) ورفاقه اشتياقا لا يحد . قلت في نفسي لماذا لم يتصلوا بي كما وعدوني؟. هل قاموا بزيارتي ورفض اهلي استقبالهم ؟. فانا كنت مخدرة من الابر المهدئة التي كانوا يثقبون بها مؤخرتي طوال الوقت . اختي الطبيبة تخرجت من كلية الطب وبدات تناوب ليلا في المستشفى ،وصارت تغيب عن البيت بسبب عملها ، وايضا لتهرب من المشاكل التي كانت تقع يوميا امامها . كنت استأنس بها وبرفيقاتها الماركسيات اللواتي كن يزرنها باستمرار . لكن حينما تزوجت من زميل لها انقطعت اخبارهن واخبار العالم عني تماما. عاودت الهروب من جديد بعد ان سرقت هويتي الوطنية وبعض المال من صندوق اخي قلت : قد آن الآوان لأختر طريق اللاعودة الى هنا .كانت الحواجز العسكرية مزروعة في كل مكان والجنود في عربات النقل على اهبة الاستعداد . ليتكرر هذا المشهد فيما بعد عام ٢٠١٢ ولكن بشكل اعم واكثر حدة لتتهدم حارات بكاملها ويتهجر اهلها الى مناطق ادلب والعالم كله.
ضياع في استنبول٢٧
23