ضياع في استنبول ٣١
٥_
هناك امرأة ميتة داخلي احاول إحيائها ، كلما امسكت الريشة ورسمت اشعر انني في ارض مكشوفة خالية من الحياة . تنقصني قوة الخيال لأدعها تنهض في عجالة لتندمج بالواقع وتعود شاسعة بالحياة. حاولت مرارا ان الون خدود الموت الشاحبة بالحمرة القانية ، لكن دائما الصفرة تجسد ملامح ما شكلته ، وهذا ما حدث معي عندما طلب أستاذ الرسم (م )لذي يعلم بكلية الفنون الجميلة في استنبول ، ان ارسم له شيئا يذكرني بسوريا ، فقمت على الفور بتشكيل لوحة لفردتي حذاء باليتين مفتوحتين من الامام كفم يطلق صرخة رعب من الفقر والموت ، حيث تظهر أصابع القدمين مصفرة صفرة الموت .اطلق صرخة إعجاب تشبه إلى حد بعيد صرخة السباحين الذين يقفزون من حافة عالية إلى قلب الماء . (م) الفنان التشكيلي المرموق الذي اعطاني عنوانه ذلك الإعلامي في تلك الخيمة التي حولت قماشها من الداخل إلى واحة خضراء رغم بؤس المكان والناس في الخارج.. كان الاستاذ جميلا لدرجة انه يشعرك ان الجمال غير موجود الافي مرسمه .
قبل ان اذهب إليه عملت مدرسة رسم للأطفال في مرسين بعد ان استأجرت غرفتين على السطوح ، ورغم أنني لم اجد التكلم باللغة التركية بحرفية إلا انني استطعت ان اتواصل مع طلابي في نهاية المطاف ..للون قدرة سحرية على التقاهم مثل الموسيقا الجامعة لكل لغات العالم في إيقاعها الآخاذ.ونثرت فيض روحي في لوحات ، اعجبت اهل الفن في مرسين . اقمت المعارض في صالاتها وفنادقها ، وضربت على جدرانها المهملة والمشققة فرشاتي. احدى الصحف اقامت حوارا معي وكتبت بالخط العريض : امرأة سورية رسمت بأصابع من ديناميت عالم الحرب والجنون السوري. وظهرت صورتي على صفحتها ، التي جلبت لي فيما بعد الخوف والرعب . فأصدقاء زوجي الذين سرقت منهم حوالاتهم اكتشفوا مكان وجودي .. وحين التقيت بأحدهم في زقاق روماني قديم ، انهال علي بالضرب المبرح حتى ادماني ، قال لي أمام ابنتي التي كانت تحاول ابعاده عني : ياقحبة أنت بين فكينا الآن ولامهرب لك. سنجعلك مطيتنا نركب عليها في كل لحظة . لتبدأ بعدها رحلة جديدة من الهروب وشرب الحبوب المهدئة