Home قالت العصفورة ضياع في استنبول ٤٢

ضياع في استنبول ٤٢

by ميلاد ديب
0 comments

نقلت من غرفة المثانة الموجودة في مبنى الأمن السياسي إلى المنفردة في سجن (ف)، وبقيت مدة شهرين كاملين هناك لم أر احدا من السجينات اللواتي كنت اسمع نحيبهن وتأوهن باستمرار . كان المعذبون يأتون إلي في كل وقت ويأخذونني إلى غرفة التأديب كما كان يسمونها ، يزرعون في جسدي ادوات حقدهم ، صباحا ونهارا وليلا محاولين انتزاع مني معلومات ما. انهكت تماما من قلة النوم والجوع و اللكمات والصفعات والرفسات، والجلسات الكهربائية الإسبوعية، والفلقة وبساط الريح والتعليق المقلوب . قبل الإفراج عني بأيام أتت امرأة لتأخذ مكان ضابط غريب الاطوار ، فقد كان ينظر إلي طوال تواجدي في مكتبه الفخم بنظرات شائكة ويقوم بمط رقبته إلى الأمام ثم لويها إلى اليمين دون أن ينطق بكلام كثير .المحققة كانت فارعة الطول وعيناها مائلتين نحو الاعلى وتبدوان كعيني المغول . حدقتاها مصبوبتان داخل عينيها كما تصب حفرة بالإسمنت المسلح. جسدها المتناسق وعضلاتها المشدودة يدلان على انها كانت تمارس الرياضة يوميا . قلت في سري : يليق بها أن تكون عارضة ازياء عالمية وليس في سجن للتعذيب تحت الارض.
كنت ارتدي نفس لباسي المتسخ كل تلك المدة في السجن ، فلم يكن معي البسة أخرى ..فاصابتني حساسية من قلة الاستحمام .، وحكة دائمة . ورائحة كريهة انبعثت من ثيابي ولحمي ، وكأنني في حظيرة خنازير .
سألتني المحققة برقة كاذبة وشفقة براقة :
_ أكنت في مشفى المجانين قبل ان نستضيفك هنا . ؟
وضحكت قائلة : ونعم الاستضافة حقا . بلى لقد كنت في مشفى المجانين ابتسمت قليلا وتابعت : لماذا لم يسال عنك احد من أهلك . ؟
_ ليس لي اهل .
غمغمت بشيء ما وتطلعت إلى ذاتيتي امامها وهمست : هل انتسبت إلى الحزب المحظور المسمى (……) .
_ بالتأكيد لا .
_و لماذا لا؟
أم (خ )انتشلتني ليلا من جانب ساقية الري ، وكنت اريد ان أرمي نفسي في مائها الجاري وأنهي حياتي. ” طبعا لم اذكر (ر) بتاتا فلم ارد ان اقحمها في الامر .هكذا اتفقت أنا وأم (خ) منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه بيتها. وايضا اتفقنا على انني كنت اعمل في بيتها كمديرة منزل . امسح واكنس وأجلي ، واغسل وأطبخ وأكب الزبالة.
اخيرا افرجوا عني بعد كتابة تعهد بالإخبار عن اي شخص ينتسب لذلك الحزب او الإخبار عن تجمعات معادية للأمة او اشخاص غير مخلصين للوطن. وضعوني في سيارة جيب خضراء وسلموني لأهلي . امي حين عرفت انني كنت مسجونة ولولت وزعقت ،وهي تدق بيدها على صدرها : هل اغتصبوك . ؟
أشرت إلى فرجي وقلت هازئة : هل يغتصبون رمّة؟ بعد ان غسلت نفسي جيدا أدخلني أبي وامي عنوة إلى غرفتي . قالت لي أمي قبل ان تغلق الباب علي : سنعيدك الى المشفى قريبا. انه المكان المناسب لأمثالك . لكنني لم انتظرهم ريثما يعيدونني إلى ذلك المكان القبيح ، بل هربت في اليوم الخامس من خروجي من سجن (ف). كانت الحراسة غير مشددة فأخي الصغير لم يكن هنا ، فقد سافر إلى أمريكا ليلحق بأخي الكبير . ولحق أخواي الباقيان بأختي الطبيبة للعمل في السعودية . اما اختي الوسطى فقد تزوجت من مطرب شعبي كانت سعيدة معه جدا. في هذا الهروب الأخير التقيت بالرجل الذي سيصبح زوجي . لتبدأ معاناة من نوع آخر

You may also like

Leave a Comment

Soledad is the Best Newspaper and Magazine WordPress Theme with tons of options and demos ready to import. This theme is perfect for blogs and excellent for online stores, news, magazine or review sites.

Editors' Picks

Latest Posts

u00a92022 Soledad, A Media Company – All Right Reserved. Designed and Developed by PenciDesign