ليلة الهروب من بيت العائلة والبلاد التي تحّولت مرتعا للقتلة المحترفين
كان الوقت صباحا من صباحات شهر كانون الأول من العام 2011، كانت القوارض قد انجزت ما يكفي من عصف للعائلات القريبة منا، كنت اسمع من الرجال أن ثمة مظاهرات تخرج من مسجد وكنت أردك ببراءة الصبية التي كنتها أن المظاهرات ليست إلا امتداد لما اسمعه من نثرات متفرقة من أبي ومن موزع أجهزة الهاتف والكاميرات الرقمية التي ملكت واحدة منها وبدأت بتصوير ما يخطر في خيالي من مظاهرات لم يسمع بها أحد إلا أنا ودارين وفاطمة وعائشة، الرباعي المجتهد في المدرسة.
سمعت في ذلك الصباح ومن نشرة الأخبار التي يتابعها أبي المتوقف عن الذهاب إلى مصنعه الصغيرمنذ أشهر، والمتفرغ لعمل الثورة، سمعت أنه يعمل بمقابل أفضل من عمل المصنع وتعبه، سمعت أن رئيس بعثة المراقبين العرب، أكد ما نراه يوميا في شوارعنا بأن العنف من طرف أهلنا، وأن قوات الحكومة انسحبت تماما من مواقعها وسحبت كل الآليات الثقيلة تمهيدا لعمل بعثة الجامعة العربية، وسمعت شتائم عنصرية من أبي لرئيس البعثة على خلفية بشرته الأفريقية السمراء، أذكر أنه من بين ما قاله :” لو كنت بشرا ما خلقك الله بهذا اللون والسحنة القذرة” ، كنت أراقب المشهد باندهاش، وصلتني رسالة من مسؤول الشباب في الثورة ليؤكد على موعدنا بعد صلاة الجمعة القادمة أمام المسجد لنقوم بالتصوير.
لبست المدينة زيا دينيا واصبحت أقرب لتلك الصور التي كنا نتابعها في افغانستان منها إلى سوريا التي نعرفها، صرنا نسمع لهجات غريبة عن منطقتنا وحين كنا نسأل عنهم كان الجوب أنهم من أخوتنا المهاجرين، يومها عرفت أن المهاجرين ليسوا فقط صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم والذين هجروا معه من مكة إلى المدينة وإنما كل من يريد المشاركة في الحرب يسمى مهاجرا وكانت هذه المعلومة إضافة دينية غير محبذة لدي، تلك الاضافات الدينية التي ستكثر مع الأيام حتى مغادرتي بيت أهلي ومدينتي التي لم أفكر يوما بتركهما.