مصر ومعارضتها البائسة
أثار إعلان الدولة المصرية، اتفاقها مع شركة سيمنز الألمانية، مشروع قطار كهربائي سريع بطول ألف كيلومتر وبتكلفة إجمالية تعادل 23 مليار دولار أمريكي لربط مدن العين السخنة “على البحر الأحمر بمدينة العلمين الجديدة “على البحر المتوسط” مرورا بالعاصمة المصرية، القاهرة، لغطا في أوساط النخب المصرية المعارضة للزعيم المصري، عبد الفتاح السيسي وأضاءت جانبا من جوانب عدم قدرتها على تحمل مسؤولياتها السياسية واحتكامها للمعايير الوطنية في تناول الشأن العام.
لم تظهر أوساط هذه المعارضة أي جهد في طرح سرديتها المعارضة للمشروع ، بل اكتفت بسطحية ساذجة معبرة عن نفسها ومستواها وأخلاقها عبر تجاوزات غير أخلاقية بحق الرئيس المصري ، ممارسات لم تدر على هذه المعارضة، إلا المزيد من البؤس والترهل داخل مصر وخارجه ولم تبلور لفكرة أي مشروع.
صرّح أحد أعتى المعارضين للدولة المصرية منذ ثمانينيات القرن الماضي، يحمل شهادة الدكتوراة في الاقتصاد ويعمل مع مؤسسات عالمية، عبر صفحته في تويتر ” تملقا لأوروبا عموما وألمانيا خصوصا، واستغفار لقتل جوليو ريجيني وسجله ” يقصد الرئيس” الفاضح في انتهاك حقوق الإنسان ، شر الدواب المفلس المختل بين عاصمته اللعينة في الصحراء ومرتع قصوره الصيفية مع أولاده”
هكذا أصبحت قاهرة المعز، العاصمة المصرية، حسب المعارض المصري “عاصمة لعينة في الصحراء”، فيما تحولت باقي جغرافية مصر هي مرتع للقصور الصيفية للرئيس، حسب زعم المعارض العرمرم الذي يحمل أعلى الشهادات الأكاديمية، هل هذا المستوى من القول يعبر عن مستوى دكتور في الاقتصاد؟ وهل كل دكاترة الاقتصاد في مصر العزيزة يتناولون الأمور بنفس ثقالة الدم وجهله وعنجهيته؟ الحقيقة بالتأكيد لا، لكن هذا هو مستوى المعارضين لنظام الحكم في مصر، ليس فقط الذين يحملون الجنسية المصرية وإنما أيضا أخوتهم العرب من نخب المعارضة، حيث الردح هو المعيار ولم يتركوا شيئا لأبناء الشوارع الذين لم يتلقوا نصيبا من العلم والمعرفة، هذا هو حال المعارضات العربية منذ أن استأنست بجماعة الإخوان على اعتبارها تنظيما سياسيا وليست جماعةً فاشية معدة للإيجار لمن هبّ ودبّ .
تقرأ لمفكرين اقتصاديين مصريين يدرسون في الجامعات المصرية والعالمية التي لها مقرات في مصر، نقرأ المختلفين مع وجهة نظر الدولة ، نقرأ المعلومات التي يستندون في اختلافهم مع مشاريع الدولة التي لم تهدأ منذ نجاتها من حبل الجماعة الإخوانية، أما ردح المعارضين المصريين فلا طائل منه، كأنهم نذروا أنفسهم لامتهان المعارضة باعتبارها جزء من فنون الردح وشتم الذات واحتقار البلاد والعباد، لا يستطيع مصري صاخب ضمير وعقل، تحمل سماع مثل هذا العته.
لا يختلف في هذا الردح، رئيس حزب إسلاموي مصري عن رئيس منظمة حقوقية عن كاتب وفيلسوف وممثل ومخرج وكأن السياسة تعلن انتحارها حين تنتقل إلى مقلب معارضة الدول الناجية من شر الجماعة الإخوانية، فيما تبدع مصر وهي الولّادة دائما، لكتابات أخرى ومواقف تظهر حقيقة المصري وقدرته على العطاء، فنقرأ ملاحظات عن مشروع القطار السريع وتكاليفه وتفاصيل عنه، يقول بعض المصريين إن المشروع يلزمه توسع أكثر نحو الجنوب وفي حوض النيل، فيما يتسائل البعض عن جدوى المشروع مقدمين أرقاما عن خطط الدولة في السنوات القادمة أمام الانفجار السكاني الذي كان وما زال إحدى أكبر المخاطر التي تهدد الأمن القومي المصري، حيث تتصدر مصر الدول العربية في معدل النمو السكاني ولم تستطع السلطات المتعاقبة حتى الآن وضع قوانين ضابطة للخطر الديمغرافي الذي لا يتناسب وإمكانات مصر الاقتصادية.
نجاة مصر من كارثة الربيع العربي الذي صب كل جهده من أجل الطعن بمكانة هذه الدولة المحورية في العالم العربي، جعلها هدفا للنخب العربية المهزومة والتي طالما اعتاشت على خراب دولها وبث الفوضى فيها، هو نموذج لكافة الدول التي ما زالت ترزح تحت نير هذه الجماعات المأجورة لمصالح دول إقليمية ومحاور لا تنتعش إلا وسط الخراب، لذا فإن مواجهة الدولة المصرية لهذه المحاولات البائسة لزعزعة استقرارها أخذت منحيين، أولها منحى اقتصادي حيث لا تهدأ ماكينة الدولة من اجتراح الحلول للأزمات الاقتصادية العالمية التي تؤثر على كافة الدول، ومن جهة أخرى تواجه الدول المصرية ومؤسستها العسكرية واحدة من أكبر حروب الاستنزاف في سيناء، حيث فلول الجماعة الإخوانية وبأسماء مختلفة تحاول تدمير قدرات هذه الدولة وجيشها الذي واجه وانتصر على محاولات جر مصر لمستنقعات الدول الفاشلة.