وصولي الى بلدية المزيتلي في مرسين لم يكن بالصدفة ، فقد نصحني احد الاعلاميين الذين زاروا مخيم غازي عنتاب بالذهاب إليها.. وذلك عندما شاهد رسوماتي بقلم الرصاص على قماش الخيمة نفسها التي كنت فيها مع زوجي وابنتي .قال لي عندما تحين الفرصة أذهبي الى هناك ،فإنك ستجدين عالمك الجميل. واعطاني عنوان احد الرسامين المعروفين في تلك المنطقة. زوجي تعرف على اصحاب اللحى ومختاري الحارات في المخيم. اطلق ذقنه ولبس جلابية وامسك بمسبحة ذات المئة حبة ووضع قرآنا في جيبه وكحل رموشه وارخى شعره بفوضى .. ومضى يهدي الناس ويعظ فيهم حتى صدقوه .في ليلة باردة من ليالي كانون الثاني المثلجة ، دلف زوجي الى قلب الخيمة حاملا بيده اليمنى تصاريح الخروج من المخيم وفي يده الاخرى حقيبة جلدية سوداء منتفخة . لم يقل لي ما بداخلها . لكن عند خروجنا صباحا ، همس في اذني : لقد اتى الخير الينا.. وضرب براحته على ظهر الحقيبة المنتفخة . اثناء عبورنا سمعنا صوت انفجار بعض القذائف اطلقها الجيش السوري ، ردا على اطلاق قذائف من الجانب التركي . ابنتي زعقت ووضعت راسها في حضني . وزعقت السيارة مسرعة ، وجأر السائق بكلمات غير مفهومة . قلت لزوجي إلى أين سنمضي الآن ؟ رد بابتسامة : الى البيوت البلاستيكية ، حيث الخضرة الدائمة. ياحبّي. ومضينا خارج الاسلاك الشائكة ، يعتريني شعور الفرح للتخلص من ذلك العالم الضيق البائس ،المسور بالحراس والاسلاك الشائكة . ستة اشهر من التحنيط هناك . البقاء الطويل زاد من كآبتي اضعافا مضاعفة ، حاولت ان اهزم الروتين اليومي ، بالذهاب الى المكتبة ، والى قاعة الرسم ، لكن حتى ذلك الرواح لم يجعلني سعيدة . فقد رأيت ان كل ما ألمسه كان عليه رائحة منفرة لشيخ متزمت. لم البس الحجاب الذي حاول زوجي فرضه علي ، قلت له غير آبهة بصراخه : لن تستطيع ان تلبسني إياه إلا بعد قطع رأسي. هل تستطيع ؟. ابنتي ازداد شعورها بالإحباط أيضا ، فكانت تذهب الى المدرسة رغم المطر الغزير والبرد القارس ، لتكسر روتين البقاء في الخيمة . قالت لي : أمي أجد الفرق كبيرا بين التعليم هنا والتعليم في سوريا . انه ثقيل جدا هنا،و يوهن عقلي وروحي وعزيمتي
مقتطف ١١..ضياع في استنبول
3