Home قالت العصفورة مقطع من روايتي.. ضياع في اسطنبول

مقطع من روايتي.. ضياع في اسطنبول

by ميلاد ديب
0 comments

1-
كان عمري أربع عشرة سنة ، حين أضرمت أختي الحامل بشهرها التاسع النار بجسدها ، فتفحم . هكذا قال لنا زوجها ذو اللحية المغروسة في وجهه ككبابة شوك . مرت سنوات كثيرة على الحادثة ، لكن لا يمكن أن أنسى ما حدث ، وكيف أنسى الشيء الذي كان سببا في معاناتي وتشردي ودخولي مصحا للأمراض العقلية .

مري الآن خمس وأربعون سنة ، وحوضي مكسور ، بعد أن صدمتني سيارة يقودها أحد المتشددين الإسلاميين ، الذي كان يلاحقني في شوارع استنبول . لن تصدقوا ما حصل لي ، أو عليكم أن تصدقوا ، لأن ما حدث ليس من نسج الخيال أبدا. إن حياتي بتفاصيلها الدقيقة مكتوبة هنا على هذا الورق الناصع البياض كالثلج.

لقد عشت الواقع بصوره وأفعاله وأحلامه وخساراته دون ادعاء أو توهم . إحدى وثلاثون سنة عمر الجريمة التي ارتكبت بحق أختي الشاعرة ،أقول جريمة ،هي كذلك فزوجها هو السبب الرئيسي في انتحارها وكذلك أخوتي .
لن نكون في النهاية سوى ديدان تمضغ وتبصق في باطن الأرض مع أخواتنا الديدان الأخرى. على كل واحد منّا ، أن يتعلم كيف يحفر قبره بنفسه كدودة كبيرة ، ويراقب سنواته ، وهي تمر في ذاكرته كشريط سينمائي . هذا خلاصة ما هو عليه الإنسان في رحلته التي ستتوقف في مكان ما وزمان ما. ربما من الضروري إعطاء دروس في كيفية معاشرة الحياة ، مع توقع أن الموت أمام الباب ، يتهيأ للدخول في كل مرة.
اسمي “س” ولدت في غرفة ضيقة جدا ، سقفها واطئ ، يلامس رأس من يقفز قليلا للأعلى. فيما بعد ستكون هذه الغرفة سجنا حيث حجزت فيها مدة اثنتي عشرة سنة . البيوت عادة تكون للذي يولد فيها مثل أرحام دافئة . أما بيتي الذي انغرزت فيه ، فقد غدا مقبرتي الصغيرة، ففي كل صباح أخرج من قبر، لأتنفس في قبر آخر. هنا ولدت ، وهنا عشت ، بين إخوة أربعة، يحملون عقد الذكورة الشرقية ، وغضبهم الغرائزي ضد الأنثى منذ ولادتها. إنهم عصابة مهنتها إهانتي وإذلال أخواتي الأربعة، وخطف ما يمكن أن يكون سعادة لنا . أبي العجوز التقي لم يرد حدوث ذلك، لكنه بنفس الوقت لم يستطع فعل شيء، فقد كان يراقب ابناءه من طرف عينه الدامعة ، وهم يغرسون براثن حقدهم في أجسادنا الفتية، ثم يتمتم بآيات من القرآن.
وأمي ذلك السعير الجهنمي، الذي لا ينطفئ ، هي كتلة سواد من الخارج ، ومن الداخل ساقية من نار حقد. فحينما وعينا على الدنيا ألهبتنا بأحاديثها حول عذاب القبر، ونار السعير في جهنم ، وعن ذبح الرجال لزوجاتهم بفعل الزنى ، والجلوس على أجسادهن وهم يشربون الشاي .

You may also like

Leave a Comment

Soledad is the Best Newspaper and Magazine WordPress Theme with tons of options and demos ready to import. This theme is perfect for blogs and excellent for online stores, news, magazine or review sites.

Editors' Picks

Latest Posts

u00a92022 Soledad, A Media Company – All Right Reserved. Designed and Developed by PenciDesign