قرر الملك أن يحكم شعبه غير الموجود بروح مختلفة، فدخل الاكواخ المهجورة لأول مرة.. فأزعجته الروائح الكريهة المنبعثة منها ومن ساكنيها ، والتي لا تليق بأنفه الملكي الذي اعتاد شم العطور على اجساد نسائه الجميلات .كبت اشمئزازه وخاطبهم بمشاعر ميتة : الأحوال ستتغير .. ولن تشعروا بعد اليوم بالجوع وقلة النظافة. قريبا سأضعكم فوق اعلى قمة جبل لتمسكوا بالغيم وترشوا عليه بعض السكر ،وتلعقوه مثل غزل البنات .وسآمر بأخذكم إلى بركة القصر ،كي تدعكوا أنفسكم بمنقوع الورود . هذا ليس كل شيء ، فغدا هو يوم ختان ابني البكر ..وفيه سأعلن العفو عن أولادكم المحبوسين في قاع الارض وسراديبها العميقة .لا تخشوا شيئا من القادم ثم ودّع الفلاحين الطيبين المصفوفين أمامه بانتظام كأنهم في رتل عسكري. وسار مولانا الملك نحو قصره المزين بنباتات متسلقة حتى وصل إلى بوابة قصره الذي تدلت منها مشنقة مجدولة بسيقان من اللبلاب الأخضر. عاد الملك المهجور منذ مئات السنين إلى مشنقته راضيا بالذي صنعه اليوم.. أغمض عينيه ونام ملء جفونه. حاول الناس فيما بعد إنزاله بعد فك الحبل عن رقبته . ولم يستطيعوا . فقد قالوا : إن الهيكل العظمي مربوط بأرواح الذين قتلهم في سراديب القصر ..وفي الساحة العامة .ومن ذلك الوقت ما يزال الملك معلقا في الهواء بلا حبل ، يأتي إليه العامة للتبارك ، والشفاء.. وطلب الغفران والرحمة .
ملك بلا شعب
2