هل ستحل ميليشيات الإخوان بديلا عن الجيش التركي؟
رغم إنها المؤسس وتمثل عماد تلك الدولة والمؤسسة الأقوى في البلاد منذ الأب المؤسس لتركيا، لا يمرّ يوم إلا ونسمع بأخبار التنكيل بالمؤسسة العسكرية التركية وزج ضباطها وعناصرها في السجون وهروب من يكتب له النجاة إلى المنافي البعيدة.
آخر فصول إهانة الجيش التركي والتخلص من رموزه حدثت أواخر الشهر الماضي، حزيران 2020، في اجتماع مجلس الشورى العسكري الأعلى الذي عقد في المجمع الرئاسي التركي والذي استمر لمدة 45 دقيقة فقط، وشارك فيه إلى جانب أردوغان كلا من، نائبه، فؤاد أقطاي، ووزراء الدفاع، خلوصي آكار والعدل عبد الحميد غول والداخلية سليمان صويلو والخارجية مولود جاويش أوغلو وصهر أردوغان، وزير الخزانة والمالي بيرات ألبيرق، والتعليم ضياء سلجوق ورئيس الأركان بشار غولر وقائد القوات البرية أوميد دوندار وقائد القوات البحرية عدنان أوزبال وقائد القوات الجوية حسن كوجك آقيوز حسب ما ذكرت وكالة الأناضول الرسمية حيث قرر أردوغان خلال ذلك الاجتماع، الإطاحة ب30 جنرالا وأدميرالا وترقية أتباعه من المحسوبين على الإخوان بدلا منهم، إضافة إلى تغييرات عسكرية بلغ إجماليها 447 قياديا في المؤسسة العسكرية، فماذا يعني كل هذا التنكيل والاهانات بمؤسسة الجيش التركي؟ وإلى أين تذهب تركيا بعد تهلهل الجيش وعجزه ودفعه ضرائب ما يقرب من مئة عام من تأسيسه للدولة التركية؟ إلى أين تذهب تركيا مع كل مغامرات أردوغان؟
الإخوان ومؤسسات الدولة:
ما يحدث في تركيا منذ وصول الإخوان إلى السلطة نسخة مشابهة لما حصل سابقا في دول حكمتها جماعة الإخوان، ولعل تجربة السودان وجيشها والبلاد التي ضاقت بأهلها بعد تحكم الإخوان بالمؤسسة العسكرية وتحويلها إلى مجرد ميليشيا تأتمر بعصا المحفور له، عمر البشير، مثال يقاس عليه مستقبل الجيش والدولة التركية في عهد أردوغان.
دأب أردوغان منذ وصوله إلى سدة الحكم في تركيا، اضعاف نقاط القوة في الدولة التركية، لم يفرق في غدره بين خصومه السياسيين ومعلميه الذين تتلمذ على أيديهم وساندوه ورفعوه للحكم، كان شعاره الدائم، أنا ومن بعدي الطوفان، بينما في الحقيقة كان وباءً يقضي على الحياة حوله ويحولها بلون الدماء الجثث المترامية حول خطوات مرتزقته حيثما حلّوا.
أتبع الطريقة الإخوانية في إعادة هيكلة الجيش بحيث يضمن سيطرته عليها، لم يكن ذلك بمنأى عن عيون الغربيين شركاءه في حلف الناتو ولكن يقول قائل: ربما لسان حالهم يقول، دعهم يأكلون بعضهم البعض، ويستكمل القائل، عل جهاز الاستخبارات التركي متواطئ مع الأجهزة الغربية المؤثرة في حياكة الأوهام المتضخمة لأردوغان وجماعته الإخوانية، فجهاز المخابرات التركي الميت هو نواة التأسيس الأولى للدولة التركية ومن المستبعد تماما أن يتواطؤ هذا الجهاز على تدمير تركيا بالطريقة الأردوغانية البائسة، من دعم داعش والقاعدة المعلن إلى نقل المرتزقة الجهاديين إلى ليبيا واليمن وكازاخستان إلى تهديد أوروبا وابتزازها وتهديد الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية فأي مصلحة للدولة التركية بكل هذه التجاوزات البائسة لأردوغان وجماعته؟!
عندما تجددت مصائب العرب في العام 2011 بترتيب مسبق بين مراكز قرار مختلفة تمتد من أمريكا إلى أوروبا إلى إسرائيل كان أحد من بين أهدافها منها إخراج الجماعات الانتحارية المتأسلمة من جحورها وكهوف التاريخ المظلمة إلى النور لاختبارها في الضوء مما يسهل التخلص منها للأبد، انطلت اللعبة على أردوغان وأخذه الوهم بعيدا وانطلت إلى إمكانية استغلال الوضع وتحكم جماعة الإخوان بحكم العالم العربي مما يسهل عليه تحقيق وهمه المنتفخ كبالون حتى اللحظة، وهم استعادة الخلافة العثمانية وتنصيب نفسه خليفة على خير أمة في الأرض، ولم يفكر لحظة أن الأوهام هي صورة أخرى عن الكوابيس.
اتفاقية لوزان.أوهام أردوغان وكوابيس تركيا:
في سعيه لتحقيق حلمه، حلم جماعات الظلام، يذهب أردوغان إلى فرية أخرى لأنهاء الجيش والدولة في تركيا فلا يكل ولا يمل من تناول معاهدة لوزان 1923 ويعتبرها ظالمة للأتراك وأنها أخذت منهم أراضيهم وقلصت مساحة تركيا وأن عليه استعادتها، رغم أن الاتفاقية تغنى بها الكماليون الاتراك والأتراك عموما على مدار القرن العشرين باعتبارها الاتفاقية التي حمت تركيا من استعمار أرضها والقضاء على دولتها أثر هزيمة وانهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وانتفاء أي مبرر لوجودها.
يكرر أردوغان كذبة ساذجة لا تمرّ إلا على الراسخين في كهوف الظلام ومستنقعات الاسلامويين، مفادها نهاية اتفاقية لوزان في العام 2023 وبالتالي قدرة تركيا لاستعادة الأراضي التي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية ومنها أراضٍ ليبية منحتها أياها إيطاليا، ضاربا عرض الحائط منطق التاريخ والعلاقات بين الدول وقوانين ظهور الدول واختفائها متناسيا أن استعداء العالم وترهيبه يؤدي إلى اختفاء مصدر الاستعداء والترهيب، فهل الجيش التركي والذي أسسه مصطفى كمال كنواة للدولة التركية المتصالحة مع محيطها والعالم نائم على النتائج المترتبة لسلوك اردوغان وجماعته من المرتزقة المتأسلمين الذين يشهد تاريخهم على فشلهم في إدارة أصغر الدول فكيف بمشاريع دول كبرى وامبراطوريات وجيوش؟
وزير الدفاع التركي لعبة أردوغانية الصنع:
صعد خلوصي أكار إلى سدة وزارة الدفاع في الوقت الذي تفرضه قوانين الجيوش ومنطقها في العالم أن يكون موقوفا بتهمة التسيب والإهمال، لكن فضائح الإخوان المتسلسلة تنم على عجز بنيوي في قدرتهم على صياغة مشهد واحد متماسك من مسرحية رديئة، فأثناء مسرحية الانقلاب الفاشل في صيف العام 2016 كان خلوصي رئيسا لأركان الجيش، كان من المنطق والمفترض أن يتعرض للاستجواب والمسائلة حول عدم قدرته على منع مثل تلك المحاولة إذا صدق الكاذبون أنها محاولة انقلابية فعلا، إلا إن ما حصل تم الزج بعشرات الآلاف من الأكاديميين والعسكريين والصحافيين ورجالات القضاء والسياسة في المعتقلات بزيف المشاركة في مسرحية الانقلاب الفاشل وبتدخل من أردوغان مباشرة تم منع استجواب خلوصي أو الاستماع لمجرد شهادته على الانقلاب وتم تعيينه وزيرا للدفاع وناطقا غير رسمي باسم أردوغان وسياساته الهوجاء.
لأول مرة في تاريخ تركيا الكمالية وبعيدا عن الحكومات العسكرية يذهب وزير الدفاع إلى تناول الشأن السياسي ويوزع تهديداته الخرقاء ذات اليمين وذات الشمال، يصرّح من ليبيا “أننا سنبقى هنا إلى الأبد” فتلحقه طائرات “مجهولة” لتدمير قاعدة الوطية الليبية التي أشرف أكار نفسه على تنصيب منظومة صواريخ ورادارات كلفت الاقتصاد التركي مليارات الدولارات وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، حيث قام بشرائها من روسيا، فيرغي ويزبد ويستكمل لغة التهديد والوعيد يوزعها على الدول بالتساوي ويصل الأمر بوزير دفاع في حلف الناتو أن يهدد أعضاء الناتو وحلفائه الاستراتيجيين بالمزيد من الحروب وكأنه رئيس عصابة إخوانية، لما لا ومعلمه ومرشده أردوغان؟!
في الوقت الذي تغرق فيه تركيا في الرمال الليبية وفي أمواج المتوسط وفي كازاخستان وسوريا، يطلق العملية رقم 34 في إقليم كردستان العراق بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني متناسيا فشل 33 عملية عسكرية مماثلة وتعج مطارات استنبول بجثث جنود الجيش التركي، ضحايا أوهام أردوغان وبالمرتزقة الجهاديين الذين يوزعهم على جبهات الكون، يهرف خلوصي بما لا يعرف، على غير عادة وزراء الدفاع حيث الأمور السياسية ليس شأنا عسكريا في الجيوش النظامية ولكن لدى جماعة الإخوان تختلط الأمور وتظهر بثورهم وقيحهم على الملأ كلما واتتهم الفرصة.
لا يستطيع أردوغان ومعه قادة الجيش التركي الذين تم تصعيدهم حسب رتبهم في التنظيم السرّي للجماعة الإخوانية من التخلص من عقدة الثأر حيال دول عربية خليجية ساهم أجدادهم في وضع حد للدولة العثمانية المنهارة قبل نحو قرن ممن الزمن، ذاكرة الإخوان المتكأة على حلم استعادة الخلافة العثمانية لا تحمل إلا الأحقاد على من ثاروا ضدها والأحقاد والضغائن لا يمكن أن تبني إلا الخرائب التي لمسناها من الجماعة أينما وأنّا حلّوا.