الصائمون عن الأخلاق

منذ أيام توقفت فجأة عن الكتابة، ليس السبب عدم وجود وسائل إعلام أنشر فيها وهي كثيرة، ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي التي أنظر إليها بوصفها المساحة الأدق  عن أحوال الجماعات البشرية لقياس أحوال أفرادها، نخباً وعامة، مهنيون وعاطلون عن العمل، لاجئون ومقيمون، أصبح من السهل، سبر آرائهم ومتابعة اهتماماتهم ومعرفة ميولهم وتوقع مستقبل بلادهم من خلالها.

ليس بالإمكان التحكم والتلاعب في وسائل التواصل، لكن الأوضاع التي آلت إليها المنطقة والقاع المتدني الذي انحدرت إليه النخب العربية في تناولها لواحدة من أهم العوائق التي تعترض درب القضايا المصيرية في الشرق الأوسط وإنسانها، وهي الحواجز المقيمة في وجه السلام والطمأنينية والتنمية، جعلتني أتريث قليلا، فدخول معارك القاع الأكثر تلوثا وبلاهة لا بد أن تصيبك ببعض عوارضها.

المؤلم لدة تناول فكرة السلام في الشرق الأوسط، إنك تواجه معسكرا واسعا ومتنوعا من البلاهة والانحطاط، تبدأ من أيتام اليسار الأممي والقوموي المرميين على هامش أسواق النخاسة، إلى عصابات أسر الدين الإسلامي وتحويله إلى سلاح لجرائمهم ، بدءا من العصابة الأم ، جماعة الإخوان المسلمين، وصولا إلى داعش والنصرة وما تجهزه مختبرات القوى المتصارعة على الشرق الأوسط ومراكز أبحاثها.

كسوري وكردي لا يمكن الفصل بين الممارسة السياسية والسعي للأمان والسلم والطمأنينة والمحبة في عصر راج فيه العنف والكراهية وظهرت فيه الأحقاد الدفينة، وقد ذهبت طوال عمري إلى السياسة بوصفها فعل بناء وتنمية وصناعة للمستقبل بإزالة الشوائب التي تكدر صفاء المجتمعات واطمئنانها وسلامها وأمانها.

وسط الضجيج الأبله الذي ارتفع في مواجهة اتفاقيات السلام التي وُقعت مؤخرا بين إسرائيل والإمارات والبحرين، والذي وصل لمستوى الدعوى لعمليات انتحارية في المراكز التجارية في الإمارات والبحرين، لم يبق إلا أن نقف وبحزم حيال كل من هلل ويهلل للحروب، فمعشر الحرب على إسرائيل هو ذاته الذي هلل للمقبور صدام حين أحتل الكويت وحاول ضرب المملكة العربية السعودية، وهو نفس المعشر الذي هلل لتدمير المدن السورية واستباحتها، وهو ذاته الذي يقيم الأفراح والليالي الملاح كلما سقط صاروخ إيراني أو تركي أو روسي على المدن والعواصم والمطارات وحقول النفط في العالم العربي، من طرابلس الليبية إلى حلب السورية ومرورا بسيناء وصنعاء وأبها، نعم هو ذاته، اختلاف الايديولوجيات لا يغير في الأمر شيئا.

أسئلة الألم:

ماذا يريد دعاة حروب التحرير والتثوير والتوحيد وإعادة الأمجاد التليدة؟ إلى أين قادوا ويقودون مجتمعاتهم؟   أين أدت بنا حروبهم ودعواتهم للاستعداد للحرب على إسرائيل؟ ألا يكفي ما نحن به؟ أسئلة على مد النظر تفتح فمها، تصرخ بكل الوجع، وإلى أين؟.

أن تطلب من أهلك المستحيل، أن تدلّهم على دروب تعرف سلفا أنها مدمرة لحياتهم ومستقبلهم، أن تطلب منهم معاودة المستحيل، تلك هي مصيبة الكثيرين وموضع انحطاطهم، إن كانوا يجهلون فتلك مصيبة وأما أن كانوا يتجاهلون فالمصيبة والانحطاط أكبر من أن توصفها الكلمات.

اترك رد