بعد ولادة ابنتي بسنتين، دخل زوجي السجن بتهمة سرقة أجهزة الكترونية . ظل ثلاث سنوات غائبا عنا ، لم أزره اثناءها .. فقد ساءت حالتي المادية ، مما جعلني أهرب ليلا من الغرفة التي على السطوح حاملة طفلتي ، في رحلة شقاء استمرت شهرين . جعت وقملت ، ولولا صديقتي التي رأتني مصادفة أعبر من أمام بيتها ، لماتت طفلتي من الجوع والحمى . حين سمع أبي أنني أنام في الشوارع والحدائق والمقابر مع ابنتي الرضيعة بكى بكاء حارا ، فبحث عني ، ولما وجدني في حديقة الحارة القريبة من بيتنا ، ضمني بخجل وأخذني معه . أعطاني بيت طفولتي ، فإخوتي مع أمي وأبي وأخواتي ،انتقلوا للعيش إلى بناء مؤلف من ثلاث طبقات بجانب بيتنا القديم . قال لي : هذه هي حصتك الشرعية من الورثة ،عليك أخذها وعدم رفضها . قلت له وأنا أهز طفلتي : بالتأكيد سأقبل ، ابنتي صارت تشرب من ثدي القيح والدم بدل الحليب . لا أريد أن يتفسخ لحم قدمي في الشوارع من جديد . عندما دخلت إلى غرفتي التي سجنوني فيها زمنا طويلا ، ارتعشت ثم أغمي علي . تقيأ الماضي وسخه في وجهي. لم أتمالك نفسي ، ولم أستطع إلا أن أقع في أتون ذكرياتي الجحيمية ، مترنحة على حافة هاوية لا قرار لها ، تشدني إليها يد أمي وإخوتي وصهري وزوجي ، الأياد الملطخة بدماء أختي ودمي . القتلة هنا مرة قلتها بيني وبين نفسي ، ثم غبت عن الوعي ولم أصح إلا على بكاء صغيرتي الجائعة .
مقتطف٦.. ضياع في استنبول
15