Home قالت العصفورة مقتطف ٨ ..ضياع في استنبول.

مقتطف ٨ ..ضياع في استنبول.

by ميلاد ديب
0 comments

٢_

أستطيع أن أقسم حياتي إلى مرحلتين ، ما قبل موت أختي وما بعد موتها . المرحلة الأولى كانت مزدهرة بالأمل والذكاء الوقاد والنجاح في المدرسة، حتى أهلي كانوا فرحين جدا لحصولي على المراكز الأولى في كل الصفوف. وفي المرحلة الثانية عشت الضياع والتشرد والألم والجنون ، والغيبوبة والتصقت بالسرير حتى صار جزءا من لحمي الشحيح . لقد كنت أبحث عمن انتقم منه ، فلم أجد إلا ذاتي لأقهرها، وأفتح سيول الطين والنجاسة عليها .
في ليلة قمراء ، خلعت الحجاب عن رأسي ، اسوة برفيقات أختي الماركسيات. انبهاري بثقافتهن وتمردهن لم يكن له حدود. فقد أعجبت بطريقة تناولهن لقضايا المجتمع وخاصة قضية تحرر المرأة ..فانجذبت كليا لأفكارهن الواقعية الساحرة . وقلت في نفسي : لابد ان انتسب الى ذلك الحزب في القريب العاجل . وصرت اقرأ جريدتهم السرية ، واشارك بنشاطات الحزب كصديقة مع اختي طبيبة الأعصاب . في يوم ماطر حزين لمحني اخي امشي في الشارع من دون حجاب . ركض نحوي وامسكني من شعري وجرني الى البيت جرا ، ثم ربطني الى شجرة الليمون ، وجلدني على ظهري حتى سال دمي. سحبني الى غرفتي واقفل علي الباب ، وكأنني في سجن انفرادي . لم تكن غرفتي تتسع سوى لسرير، وحامل لوحات خشبي ، ومسجلة صغيرة ، أستمع فيها لفيروز ومارسيل خليفة ،والشيخ إمام .. وكانت هناك نافذة صغيرة ، يتسرب من زجاجها النافر شعاع الشمس الشاحب ليلطخ الاثاث القليل وجسدي النحيل المتعب.
نزل وزني خلال شهر واحد إلى عشرين كيلوغرام . رفضت الأكل بتاتا ، وصرت أتقيا باستمرار .. مع حمى وهلوسات ليلية. عرضني اهلي على طبيب داخلية ، وعند فحصه لي، قال لهم : ابنتكم لا تحتاج إلى ادوية او اية سموم اخرى … دواؤها الوحيد محبتكم لاغير .
لم تكن أمي تحب بناتها أبدا ، فهن بالنسبة لها مشروع قحبات ويجب مراقبتهن بمنظار الأخلاق والقيم ، حتى إنها لم تبك دمعة واحدة على أختي التي احرقت نفسها كما كانت تعتقد ، فالمنتحر لا يقرب الله في شرائعنا ، ولايصلى عليه، ويدفع دفعا الى النار . الخوف الذي تجسد لديّ تجاه الله وأنا صغيرة ، خوف مشروع ، فبنيت حجابا يفصلني عنه ، صرت أضع رأسي تحت اللحاف في أيام الشتاء الباردة كي لا يراني ويأخذني إلى الجحيم . صرت أهرب من جسدي الذي بدأ يفرز حقيقته كأنثى لها رغبات ومشاعر وشهوات . أتت دورتي الشهرية فصرخت باكية أمام أمي وأبي : إني أنزف ،الله دخل أعماقي وقطعني من الداخل . لم أكن أعرف أن المكان الذي خرج منه الدم ولطخ ثيابي الداخلية، هو نفسه مكان الخلق والولادة . وأن كل ما كانت تنبهنا أمي عليه بعدم لمس ما بين فخذينا ، وتقريب أنبوب الماء منه ، أو الاستحمام بعد إخوتنا الشباب ، لم ينفع في طمس الطمث من النزول ، وتعريفنا من نكون في النهاية .
ماذا تختلف المرأة عن الرجل في الحقيقة ؟ هو قوي بعضلاته ، والمرأة قوية بفيض خلقها . تبول الرجل واقفا لا يعني أنه يستطيع أن يمارس علينا واجباته ونحن نيام ، بأن نرفع سلطته للأعلى من خلال الانجاب ، والركوع لغسل قدميه في كل وقت.

You may also like

Leave a Comment

Soledad is the Best Newspaper and Magazine WordPress Theme with tons of options and demos ready to import. This theme is perfect for blogs and excellent for online stores, news, magazine or review sites.

Editors' Picks

Latest Posts

u00a92022 Soledad, A Media Company – All Right Reserved. Designed and Developed by PenciDesign