٢_
أستطيع أن أقسم حياتي إلى مرحلتين ، ما قبل موت أختي وما بعد موتها . المرحلة الأولى كانت مزدهرة بالأمل والذكاء الوقاد والنجاح في المدرسة، حتى أهلي كانوا فرحين جدا لحصولي على المراكز الأولى في كل الصفوف. وفي المرحلة الثانية عشت الضياع والتشرد والألم والجنون ، والغيبوبة والتصقت بالسرير حتى صار جزءا من لحمي الشحيح . لقد كنت أبحث عمن انتقم منه ، فلم أجد إلا ذاتي لأقهرها، وأفتح سيول الطين والنجاسة عليها .
في ليلة قمراء ، خلعت الحجاب عن رأسي ، اسوة برفيقات أختي الماركسيات. انبهاري بثقافتهن وتمردهن لم يكن له حدود. فقد أعجبت بطريقة تناولهن لقضايا المجتمع وخاصة قضية تحرر المرأة ..فانجذبت كليا لأفكارهن الواقعية الساحرة . وقلت في نفسي : لابد ان انتسب الى ذلك الحزب في القريب العاجل . وصرت اقرأ جريدتهم السرية ، واشارك بنشاطات الحزب كصديقة مع اختي طبيبة الأعصاب . في يوم ماطر حزين لمحني اخي امشي في الشارع من دون حجاب . ركض نحوي وامسكني من شعري وجرني الى البيت جرا ، ثم ربطني الى شجرة الليمون ، وجلدني على ظهري حتى سال دمي. سحبني الى غرفتي واقفل علي الباب ، وكأنني في سجن انفرادي . لم تكن غرفتي تتسع سوى لسرير، وحامل لوحات خشبي ، ومسجلة صغيرة ، أستمع فيها لفيروز ومارسيل خليفة ،والشيخ إمام .. وكانت هناك نافذة صغيرة ، يتسرب من زجاجها النافر شعاع الشمس الشاحب ليلطخ الاثاث القليل وجسدي النحيل المتعب.
نزل وزني خلال شهر واحد إلى عشرين كيلوغرام . رفضت الأكل بتاتا ، وصرت أتقيا باستمرار .. مع حمى وهلوسات ليلية. عرضني اهلي على طبيب داخلية ، وعند فحصه لي، قال لهم : ابنتكم لا تحتاج إلى ادوية او اية سموم اخرى … دواؤها الوحيد محبتكم لاغير .
لم تكن أمي تحب بناتها أبدا ، فهن بالنسبة لها مشروع قحبات ويجب مراقبتهن بمنظار الأخلاق والقيم ، حتى إنها لم تبك دمعة واحدة على أختي التي احرقت نفسها كما كانت تعتقد ، فالمنتحر لا يقرب الله في شرائعنا ، ولايصلى عليه، ويدفع دفعا الى النار . الخوف الذي تجسد لديّ تجاه الله وأنا صغيرة ، خوف مشروع ، فبنيت حجابا يفصلني عنه ، صرت أضع رأسي تحت اللحاف في أيام الشتاء الباردة كي لا يراني ويأخذني إلى الجحيم . صرت أهرب من جسدي الذي بدأ يفرز حقيقته كأنثى لها رغبات ومشاعر وشهوات . أتت دورتي الشهرية فصرخت باكية أمام أمي وأبي : إني أنزف ،الله دخل أعماقي وقطعني من الداخل . لم أكن أعرف أن المكان الذي خرج منه الدم ولطخ ثيابي الداخلية، هو نفسه مكان الخلق والولادة . وأن كل ما كانت تنبهنا أمي عليه بعدم لمس ما بين فخذينا ، وتقريب أنبوب الماء منه ، أو الاستحمام بعد إخوتنا الشباب ، لم ينفع في طمس الطمث من النزول ، وتعريفنا من نكون في النهاية .
ماذا تختلف المرأة عن الرجل في الحقيقة ؟ هو قوي بعضلاته ، والمرأة قوية بفيض خلقها . تبول الرجل واقفا لا يعني أنه يستطيع أن يمارس علينا واجباته ونحن نيام ، بأن نرفع سلطته للأعلى من خلال الانجاب ، والركوع لغسل قدميه في كل وقت.