ضياع في استنبول ١٣
قال لي أحد الملتحين، بعد أن استهلكني التعب لدرجة أنني لم اعد أقوى على تحريك اطرافي وجذعي : نحن نعرفك جيدا . أنت سرقت شيئا يخصنا ، نفث دخانه في وجهي وتابع حديثه المنحط: ابنتك قد انتهت صلاحيتها .. لم تعد عذراء .. لقد قتلتها بعد ان تذوقت لحمها البض . لا تبحثي عن ميتة ياقحبة . هبطت روحي داخل إعصار من اليأس ، واسودت وجوه البشر وأبنية المدينة والمآذن ، والكنائس والشجر والبحر . انفجر القيح من صوتي وذاكرتي ، وسال دمي وبرازي وبولي في ماء المسبح الذي رميت نفسي فيه لأنهي حياتي . ماذا بقي لي في هذه الدنيا . لا وطن ولا ابنة ولا بيت ولا الأب (ف) . احسست ان رأسي تهشم فكأنه صطدم بكومة من الحجارة وليس بالماء . لحظتها استفزني ما كان يحصل داخل جمجمتي من دق متواصل ، يشبه دق مسمار فوق لوح خشبي جاف . لم أفعل شيئا لإنقاذ نفسي، بل فتحت فمي على آخره.. ودخل الماء فيه. واغمي علي ..عندما صحوت وجدت نفسي في مصح لمعالجة الأمراض العقلية .
الأشخاص الذين كانوا يتبعوني ، هم وراء كل معاناتي . تحديتهم وفشلت . لم أفعل شيئا يحقق رغبتي بالانتصار . الهزيمة هي كل ما حصلت عليه . انهم أطياف. تراهم في السماء وفوق الأرض وتحتها ، وفي داخلك . هم العالم الماضي وجزء من الآن والمستقبل ، لا شر من دونهم ، ولا حياة تستحق العيش بوجودهم . إنهم أغنية ربانية للموت الحلال في البيوت والمساجد والطرقات والمعامل . هم كذلك فقد كانوا يعطونني الدخان المحشو بالحشيش ، مدة شهرين متتاليين بعد أن خرجت من المستشفى . هناك الكثير من الملائكة تحلق فوقنا بلا فائدة ، الشيطان أقوى بكثير منهم . لقد خسر الشيطان مرة في السماء ، ولن يفعلها أبدا من جديد على الأرض . صار العقار الكبير ملكه ، ولن يستطيع أحد نزع هذه الملكية منه . انظروا إلى الرؤوس المعلقة على الرماح والشجر . هل رأيتم كيف حطموا تماثيل عمرها آلاف السنين في سوريا والعراق ؟. ماذا بقي ؟ لا شيء إنهم هنا وفي كل مكان يتاجرون بالنعوش ، والأعضاء ، والنساء ، والذهب والاثار ، والسلاح والتعليم ، والجامعات ، والجوامع ، هم الذين يقتلون العلماء ، والمفكرين النهضويين العلمانيين ، وهم من يسجن العقل في صندوق يقولون أنه صندوق الله . إنهم بيننا بفكوك حديدية ومخالب وأرواح وحشية. هم من صدمني بسيارة المرسيدس الفارهة ، وهم من أرسلني للمشفى بعد كسر حوضي ليعذبوني أكثر . لقد قطعوا جسدي إلى آلاف القطع ، ثم أعادوا جمعه وتخييطه بشراييني النازفة . وهم من وضع البلاتين والصفائح بدلا من عظمي المكسور والمفتت.