ضياع في استنبول١٦
. المرآة المعلقة على حائط الممر المؤدي إلى الغرفة عكست وجهي اليابس ممثل قطعة خشب محززة بمخالب حيوان مفترس.. ضربات الشمس تركت بقعا سوداء تحت عيني وعلى خدي وفي نظراتي الجافة فكسرتها بقبضتي ، فانهمر دم قان لطخ ما تبقى من نصاعة حزني .
رجعت إلى صورتي متغلبة على السقوط في قعر المتاهة التي عشتها وحدي في الشوارع المزدحمة في استانبول ، بناسها الذين كانوا ينظرون بعين اللامبالاة إلى امرأة ذابلة في الأزقة والشوارع الحجرية والعمارات وتحت الأضواء الباهتة لعواميد الإنارة . كنت أرى التقزز المشروع حينما أمر بجانبهم ، أين يمكن أن أستحم ، أين يمكن أن أنزل سروالي وأرمي خارجا ما بداخل أمعائي؟ . كنت مرحاضا لنفسي . أفعلها بثيابي في أغلب الأحيان ، وانتهز الفرصة عندما أجد مشفى فأدخل إلى الحمام ، أغسل ثيابي وجسدي وأخرج والماء يقطر من قدمي المسلوختين ، مثل جلد حيوان نافق. تهت بلا هوية أو جواز سفر ، مع ضياع لذاكرتي وعقلي . كيف حصل هذا فلست أدري؟! . كأنه وهم أو حقيقة تشابه الوهم . ما عشته لا أستطيع أن أفسره ولا يمكن أن أفسره حتى الآن. فانا لا أصدق أنني مشيت بحوض مكسور ، ومسمار يدق في رأسي من الداخل باستمرار، وعبرت بقدمين ممزقتين متآكلتين.. الطرقات.. وإيقاع الحياة الصاخب . قلت لشرطي مرور صادفته أن يساعدني ويتصل بالشرطة لتأخذني ، وحين علم أنني لا أملك وثيقة تدل على هويتي ، لم يبال بي ، توسلت إليه أن يشتري لي مرهما لمعالجة قدمي النازفتين لانسلاخ اللحم واقتلاع الأظافر من أمكنتها ، نظر إلي بألم ، وذهب إلى الصيدلية واشترى لي عبوة ، دهنت منها جروحي ، فأحسست ببرودة تسري في ساقي وروحي ، ارتحت قليلا ، لكن عندما قرأت الكلمات المكتوبة على كرتونته ضحكت ، فهذا المرهم مخصص لحوافر الأحصنة المصابة