ضياع في استنبول٣٠
البيت من جديد ..وتكميم فمي وضربي بالإبر المهدئة ، تشكيل صورة مذلة اكبر والتفنن في السيطرة والقمع. كنت اتساءل وقتها لماذا لم ينفذوا وعدهم بقتلي؟ . هل هم جبناء لهذه الدرجة؟ . هل تكلموا في ذلك اليوم الماطر كي اسمع كلامهم وأخشاهم فقط واتراجع عن هروبي وتمردي. حقا العالم بني بأيدي سفلة وقتلة ومصاصي الدماء.
لم ابق طويلا في البيت ،فقد رحلت مباشرة الى مستشفى المجانين . اخي الاكبر سافر إلى امريكا ، وصار يرسل المال ليغطي تكاليف المستشفى الذي حبست فيه طويلا ، فعددته مكملا لتفاصيل بيتنا في خلق ملامح الجنون والالم والرعب. كيف عرف أخي بمكاني في تلك القرية . قد يكون احد من أهل حارتي شاهدني بالصدفة في مكان ما واخبر أهلي بمكان وجودي . ربما يصح ان يبنوا ، لنا نحن النساء المتمردات على تبجح الذكور والعادات الفاسدة ،معتقلا واسعا يزجوننا فيه لنكمل بقية حياتنا دون ان يرف لأحدهم جفن . إن اقسى ما مررت به في ذلك المكان هوجنوحي لضرب رأسي بالحائط حتى يسيل دمي ويغمى علي . لقد افرطت في الصراخ والركض بهياج ، وتكسير كل ما يقع امامي وضرب الفتيات المريضات والممرضين فغدوا يلحقون بي مثل فراشة هشة ليلتقطوها بمصيدتهم ويقربوها من النار لتحترق . شجر السرو المتراكم بفوضى يشبه تراكمنا نحن سكان مشفى المجاذيب ، حينما نجتمع حول شيء غير موجود، او بالأحرى تن نتخيل أنه موجود . التضييق بالرداء الأبيض لازمني طويلا ، وكذلك تغذية جسدي بشحنات كهربائية متواصلة . لم يزرني احد من اهلي ، وكنت اعرف ان الصخر لا يمكن ان يلين ، وكذلك هم . خضت مسألة البقاء حية ، ربما لأن حلمي لم يتغطس بالدم بعد . انه هناك في تلك القرية يمد جذوره داخل تربة صالحة .الصحو لم يكن الكلمة المناسبة لوجودي بين اناس فعلا مجانين لان العالم في الخارج ليس عاقلا بالتأكيد .