هاني عمارة يكتب : البنا وقطب وثالثهم مفتي الناتو يوسف القرضاوي

لإن كان حسن البنا وسيد قطب الشخصيتين الأبرز في جماعات الإسلام السياسي، لكان يوسف القرضاوي ثالثهما بلا منازع.

خطورة يوسف القرضاوي منبعها أنه أعاد صياغة الخطاب الفقهي ليواكب تطورات ما بعد النكسة وعصور الانفتاح والحريات السياسية؛ فحل للجماعة أزمة كبرى، ومنحها خطا فقهيًا متميزًا استفادت منه كثيرًا في اختراق المؤسسات الدينية الرسمية.

دوافع حركية وبراجماتية بحتة حركت فقه يوسف القرضاوي لخدمة أجندة الإسلام السياسي؛ فالرجل ليس بالفقيه التقليدي الذي يعتمد على أقوال الفقهاء وتقريرات المذاهب، وليس بالفقيه السلفي النصوصي الذي يعتمد على الحديث، وليس بالفقيه الحر الذي يعتمد قواعد عامة يلتزم بها في كل فتاواه.

لم يكن أيضًا ذلك الفقيه العصري التيسيري الذي خطت معالم صورته الدعاية الإخوانية؛ إذ يتأرجح في فتاواه بين التساهل والتشدد بحسب مصلحة الجماعة، فإذا أسعفه النص لخدمة أهداف التنظيم تشدد فيه، فإن لم يسعفه لجأ إلى القواعد الأصولية التقليدية، فإن لم تسعفه فإلى المقاصدية أو أية قواعد أخرى اخترعها دون أساس من صميم الفقه، وبينها فقه الواقع أو فقه الأولويات أو فقه السنن، وغيرها.
في السطور التالية نرصد المعالم الخمسة لفقه يوسف القرضاوي:

التساهل في العبادات

أدرك يوسف القرضاوي مبكرًا حقيقة تغير الزمن، وأن التشدد في العبادات من صلاة وصيام وحج وتفاصيلها بحسب الفقه التقليدي ينفر الشباب، ويفتح باب الاختلاف، ويفرق بين الجماعات، بينما طبيعة فكر القرضاوي وجماعته يقوم على تكتيل الأنصار.

لهذا، مال فقه القرضاوي للتساهل في أداء العبادات، تشجيعًا للأفراد على الالتزام بها، وتلميعًا لسمعة الجماعة باعتبارها مشجعة للتجديد الديني.

التشدد في الأحوال الشخصية

عكس العبادات، تشدد يوسف القرضاوي في مسائل الأحوال الشخصية وقوامها الأسرة والزواج. السبب هنا يعود لطبيعة جماعات الإسلام السياسي ككل، التي تقوم على التدخل في شؤون الأسرة بفرض نسق عام على أتباعها يشجع على التناسل كمقصد أساسي لزيادة المناصرين
يحرم القرضاوي التبتل (عدم الزواج مطلقًا) بعكس الفقه التقليدي، ويدافع عن تعدد الزوجات رغم عدم ملاءمته لطبيعة المجتمعات الحديثة، كما يضيق في مسائل الطلاق بزعم التيسير، فيذهب لعدم وقوع الطلاق البدعي والمعلق عكس فقهاء المسلمين، ويتشدد في وجوب الحجاب متذرعًا بالإجماع، رافضًا لأي اجتهاد يعيد النظر في المسألة؛ كون الحجاب أحد اركان الإسلام السياسي المعاصر

التشدد في الأمور المالية

في كتابه الأشهر “فقه الزكاة”، الذي قدم نفسه فيه كداعية للوسطية والعصرانية، يعتبر يوسف القرضاوي أن الزكاة بديل إسلامي شامل للضرائب، كفيل بحل كل مشكلات الدولة المالية، معتمدًاعلى نقطتين

توسيع وتكثير مصادر الزكاة، لتكون المصدر الأساسي لدخل الدولة؛ تعويضًا لغياب المصدر الأهم في تاريخ الدولة الإسلامية، وهو الفيء والغنيمة، فأوجب الزكاة في مسائل خلافية، بينها الفواكه، والحلي، وعروض التجارة، والأوراق النقدية، والبترول.

توسيع جهات صرف الزكاة؛ لتشمل كل مسؤوليات الدولة، متحايلًا على نص قرآني بتخصيص صرف الزكاة بثمانية مصارف.

بخلاف الزكاة، يوجب يوسف القرضاوي الجزية على جميع أتباع الديانات الأخرى، أهل كتاب كانوا أو وثنيين، ويجيز ميراث المسلم من الكافر دون العكس بخلاف النص والإجماع، ويحرم فوائد البنوك لصالح ما يسمى بالاقتصاد والمصاف الإسلامية.

يوسف القرضاوي ألف رسالة “فوائد البنوك هي الربا الحرام” ردًا على مفتي مصر حينها محمد سيد طنطاوي؛ رافضًا التفسير المقاصدي الذي اتبعه باعتبار الربا المقصود في القرآن مسألة اجتماعية تتعلق بمساعدة المعسر على سد حاجته الأساسية، ولا تتعلق بالاقتصاد والاستثمار، بينما معاملات البنوك اقتصادية استثمارية بحتة.

المفارقة أن القرضاوي – في المسائل الأخرى – أحد دعاة المقاصدية واستكشاف روح النص، بينما في هذه المسألة دخل في مزايدة مع بعض السلفيين، الذين التزموا بحرفية النص في حالات الربا الست التي تشمل الذهب والفضة والزروع الأربعة، وبالتالي لا تتسع لأوراق النقد.

المفارقة الأخرى، أن القرضاوي عمل مستشارًا لفروع “المعاملات الإسلامية” التي أنشأتها مصارف عالمية تعمل وفق نفس آليات السوق المصرفي، مع تغيير في المسميات، كتسمية فوائد القروض العقارية إيجارًا.

الميكيافيلية السياسية

الفتاوى السياسية كانت الباب الأوسع للتعريف بفقه يوسف القرضاوي المتأرجح بين الراديكالية الشعبوية والميكيافيلية.

قائمة الفتاوى تتضمن تحريم السلام مع إسرائيل واعتبارها دار حرب، وتحريم زيارة القدس، والتشجيع على العمليات الانتحارية، ومقاطعة المنتجات الغربية، منطلقًا من أسس راديكالية شعبوية لتوظيف الأحداث السياسية لخدمة أجندة الإخوان، لكنه من الناحية الأخرى أفتى بجواز الاستعانة بالناتو في حروب ليبيا وسوريا والعراق، وأباح التحاق المسلمين بالجيش الامريكي في حروبهم بالبلدان الإسلامية، حتى أطلق عليه لقب مفتى الناتو.

إباحة الوسائل التمكينية

بذريعة “خدمة الدعوة وتحسين صورة الإسلام”، أصدر يوسف القرضاوي فتاوى منحته صورة المجدد الميسر، بينها التوسيع في أمور الفنون من رسم وتمثيل وموسيقى، بالمخالفة لفتاوى السلفيين المتشددة.

الوسائل التمكينية اتسعت للتيسير في أمور الهجرة والجاليات، والعمل بالغرب، وانخراط الإسلاميين في العمل السياسي والتحالفات الحزبية، وسماحه بترشيح المرأة في الانتخابات، بفتاوى استفادت منها الجماعة، وساهمت في توسعها وكسر عزلتها

منقول عن موقع دقائق

https://kalamfisyassa.com

اترك رد