الإمارات وعودة سوريا إلى محيطها وقانون قيصر
يعاني الشعب السوري منذ العام 2011 من كارثة حرب أهلية مرعبة، حيث تم تدمير أكثر من 40% من البنية التحتية بتكلفة تتجاوز 530 مليار دولار حسب أقل التقديرات المعنية بإعادة إعمارها، وتجاوز معدل الذين يعيشون تحت خط الفقر 86% من السكان ، أقل من نصف دولار في اليوم ، وتجاوز عدد ضحايا الحرب حتى اليوم 700 ألف، عداك عن المفقودين والمعاقين الذين يتجاوزون نصف مليون، فيما تسببت الحرب بنزوح أكثر من 13 مليون سوري من بيوتهم، ووجود أكثر من 2,5 مليون طفل خارج مقاعد الدراسة ومع هذه الأرقام المرعبة ما زالت الكثير من نخب النظام والمعارضة في سوريا تصر على الأسباب الأولية التي أدت للكارثة ولكل منهما وجهة نظر تستند على الحق في رأي متبنيها ومروجيها والواقعين تحت سطوة سلطات الأمر الواقع .
وسط هذا الركام من الاصطفاف إلى جانب “حق” جماعات المعارضة السورية المختلفة ،المتحاربة فيما بينها ، في المشاركة في الحكم أو الاستئثار به، أو إلى جانب “حق” الدولة السورية ” النظام” في استعادة سيادتها على كامل التراب السوري ومحاكمة الخارجين على سلطتها حسب القوانين السورية أو المزاج الإيراني حسب بعض التفسيرات، وفي مسرح أمتلأ بالكراهية والحقد والضغينة والشماتة بآلام السوري، جاء قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ في 17يونيو حزيران 2020 ليصيب السوريين في المقتل ويشل الحركة في سوريا وترفع درجات الجوع إلى مأساة السوريين المتعاظمة، لم يسمع السوريون حتى الآن أصوات زعماء دول ورموز مشاريع في المنطقة تنادي بتعقل لحماية السوريين وسلامتهم إلا عبر مدافع الموالين لها وزعيقهم وتخوينهم وتكفيرهم.
كعادتها تنفرد الإمارات في مواقفها الانسانية حيال الأزمات التي تحل في العالم وخاصة دول الجوار، فقط كانت المبادرة في إعلان الوقوف مع سوريا في مواجهة وباء كورونا على لسان، الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات، أما وزير الخارجية ، الشيخ عبد الله بن زايد، فقد فتح الباب واسعا لمعالجة جديدة وجريئة للمأساة السورية، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، الثلاثاء 9/3 ، من خلال إشارته إلى “إن عودة سوريا إلى محيطها أمر لابد منه، وهو من مصلحة سوريا والمنطقة ككل”، وأكد أن التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر.
وأضاف وزير الخارجية الإماراتي، ان “ضرورة التعاون والعمل الإقليمي لبدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها، وهذا الأمر لا يتعلق بمن يريد أو لا يريد، المسألة هي مسألة المصلحة العامة مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة“، وأشار إلى أن “هناك منغصات بين مختلف الأطراف، ولا يمكن إلا العمل على عودة سوريا لمحيطها الإقليمي، وأحد الأدوار المهمة التي يجب أن تعود إليها سوريا دورها في الجامعة الجامعة العربية، ولا شك أن ذلك يتطلب جهدا أيضا من الجانب السوري وجهد من زملائنا في الجامعة العربية“، وأوضح أن “التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر“، وأشار إلى أن إبقاء قانون قيصر كما هو اليوم يجعل هذا المسار والأمر في غاية الصعوبة”، وأكد على ضرورة فتح حوار مع الإدارة الأمريكية، التي فرضت في وقت سابق قانون قيصر ضد سوريا، للضغط على الرئيس بشار الأسد، ويستهدف هذا القانون أيضا الأفراد والشركات التي قد تتعامل مع دمشق.
يبدو أن كلام الشيخ عبد الله بن زايد، كان ثقيلا على المستفيدين من استمرار المأساة السورية وتعاظمها، فاستيقظت نخب “الثورة والمعارضة” اللاجئة في أوروبا على الأخص تلك التي تعتاش على أزمة السوريين وتشمت بالحال التي وصلت إليها الجموع التي لم تغادر بلادها وتبحث عن فرصة تعيد الضخ المالي الذي نالته في وقت ما من دول إقليمية وجماعات إسلاموية بطرق مختلفة لترغي وتزبد في شكل التناول الإماراتي لاجتراح الحلول التي تؤدي إلى انفراجة لحالة الاستعصاء التاريخي للأزمة السورية.
الدعوة هذه إلى التعاون والعمل الإقليمي لبدء مشوار عودة سوريا بناء على مصلحة سوريا ومصالح المنطقة هو البداية الأولى لانفراج حقيقي وهي الدعوة الأهم والأكثر جدية وقابليةً للتطبيق لإنقاذ ما تبقى من سوريا والسوريين وسط هذه العاصفة الهوجاء التي تشير إلى محو سوريا من الخريطة.
كلنا يعلم أن قانون قيصر جعل حياة السوريين جحيما لا يطاق ولا يمكن إيجاد حل في الجحيم ولم ولن يكون مسعى الإمارات إلا لإطفاء الحرائق التي توجع وتدمي القلب