يوم القيامة الأحد القادم
شهدت مصر أيام عثمان باشا الحلبي وبالتحديد في شهر ذي الحجة من سنة 1735 ميلادية إشاعة مفادها أن القيامة ستقوم يوم الجمعة القادم حيث انتشرت هذه الإشاعة بقوة في يوم الأربعاء، أي قبل يومين، كما يذكر يذكر المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) “وفشا هذا الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والأرياف”، فأخذ الناس يودعون بعضهم بعضاً، وقد تأكدوا من حلول نهاية العالم، حتى “يقول الإنسان لرفيقه بقي من عمرنا يومان”، لكن ردود أفعال الناس كانت مختلفة تماما كما يصفها المؤرخ حيث تمتزج فيها الدهشة بالسخط: “وخرج الكثير من الناس والمخاليع إلى الغيطان والمنتزهات، ويقول لبعضهم البعض “دعونا نعمل حظ ونودع الدنيا قبل أن تقوم القيامة” وطلع أهل الجيزة نساء ورجالا وصاروا يغتسلون في البحر، ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم، ومنهم من صار يتوب من ذنوبه، ويدعو ويبتهل ويصلي، واعتقدوا ذلك، ووقع صدقه في نفوسهم، ومن قال لهم خلاف ذلك أو قال هذا كذب لا يلتفتون لقوله”.
الجبرتي خلال سرده لأحاديث الناس حول صحة إشاعة نهاية العالم، ظهر أن الكثيرين برهنوا على صدق النهاية الوشيكة لأن من تنبأ بها هما “فلان اليهودي وفلان القبطي”، دون ذكر اسميهما، بل ذكر أن لهما دراية بالفلك والتنجيم “وهما يعرفان ولا يكذبان في أي شيء يقولانه، وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في يوم كذا”، وما زاد من درامية الموضوع أن أحد هذين المنجمين لم يكتف بإشاعة النبوءة بين الناس، بل ذهب إلى أحد الأمراء وأخبره بما سيجري، “وقال له احبسني إلى يوم الجمعة وإن لم تقم القيامة فاقتلني”، وهو ما يعلق عليه الجبرتي بقوله: “ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم الهرج والمرج”.
وحين جاء يوم الجمعة الذي يفترض أن ينتهي فيه العالم، اتضح أن المتشككين في النبوءة وقد كانوا قليلين جدا،ً كانوا محقين ،على عكس الغالبية الساحقة من الناس، لكنهم مع ذلك لم يهنئوا بانتصارهم المتخيل على من صدقوا الإشاعة ونشروها في كل مكان، فحين مضى يوم الجمعة لحال سبيله، وأصبح يوم السبت “ولم يقع شيء”، أخذ مصدقو الإشاعة يروجون أن نهاية العالم كانت ستقع بالفعل، لولا أن “سيدي أحمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله شفاعتهم”، وحين يسمع الناس ذلك يقولون “اللهم انفعنا بهم فإننا يا أخي لم نشبع من الدنيا”
يبدو أن الحكاية تتكرر في أكثر من بلد وفي معظم الأشهر ودائما يكذب المنجمون ويسير خلفهم الغوغاء.
لا مكان للعقل في مجتمعات تنتظر النهاية دونما سعي لوقفه، هذا هو حال المجتمعات التي تنتظر فيروس كورونا ليقولوا ” قدر الله وماشاء فعل”