#سوريا_العربية_لن_تبقى_وحدها
الحديث في القضية السورية أشبه بالسير في حقل ألغام لا نهاية له، فالقضية تحولت إلى قضايا عديدة والصراع لم يعد محصورا بين سوريين من معشر المعارضة وآخرون من معشر الموالاة، فقد تجاوزتهم تفاصيل الصراع ولم يعد يشغلون مكانة في مشاريع الحروب والسلم المطروحة إلا كتذكر مؤلم يشبه إلى حد بعيد تواريخ سقوط الأندلس.
يختلف السوريون في انتظارهم حسب الجهة التي تتولى أمورهم وحسب أماكن إقامتهم الارغامية، فقد ضاقت الأرض بهم ولم يعد ثمة عائلة سورية صاحبة القرار في مكان استقرارها ورحيلها، وبات المستقبل مرعبا ومحصورا في الرياح التي تهب من عواصم العالم والإقليم بعد أن تحولت عاصمة الأمويين، أقدم عواصم العالم، إلى ملعب لمحترفي القتل ومختبرا لأنواع الأسلحة الجديدة.
الحنين إلى الماضي جزء من التكوين البشري، لكننا وفي الحالة السورية استثناء من هذا التكوين، فما حصل خلال السنوات الماضية قطع الشك باليقين بأن ذلك الماضي القريب لم يكن إلا مقدمة لما جرى وما ينتظرنا ولعلنا في محاولتنا لفتح الباب لقراءة واقعنا كما هو، الانطلاق من تشخيص الواقع الملموس للوصول إلى طرح الحلول هي حاجة سورية وهي تعاني ما تعانيه من حالة استعصاء مزمن يصعب شفاءه.
خريطة توزيع القوى في سوريا اليوم:
سوريا الروسية: منذ تدخلها في سوريا بناء على طلب الحكومة في دمشق، تتحكم روسيا الاتحادية أكبر مساحة في سوريا، تبدأ من أقصى الجنوب وتنتهي في أقصى الشمال الشرقي، وأن كانت إيران تحاول منافستها في مناطق نفوذها، إلا أن المحاولة الإيرانية تبقى في حدود الأيديولوجيا الطائفية المحكومة بالفشل بسبب أساسي وهو عدم توفر حاضنة اجتماعية ومشروعية دولية أو إقليمية تحمي الوجود الأيراني المسعوف بميليشيات حزب الله وخاصة في ظل تفجر الأوضاع داخل معقل حزب الله في لبنان.
إذ لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تسيطر إيران على منطقة صغيرة في سوريا، لتناقض هوية سوريا القومية والدينية مع الركيزة التي تستند عليها إيران في محاولاتها للتمدد في العالم العربي، فسوريا أولا ذات غالبية عربية ونسبة الشيعة في المجتمع السوري شبه معدومة وأما قضية المتاجرة بمحاربة إسرائيل فقد باتت نكتة سمجة لا يصدقها أقرب أتباع إيران ومروجي سياساتها
سوريا التركية : تعتبر تركيا الدولة الثانية في مناطق النفوذ في سوريا وأن اختلفت المساحة التي تشغلها، حيث تتحكم تركيا بأكثر المناطق استراتيجية، تعتبر مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام رئة سوريا الاقتصادية والسكانية، إضافة إلى استقبالها لملايين اللاجئين السوريين على أرضها.
لا تخفي تركيا مطامعها في ضم هذه الأراضي واعتبارها جزءا من الأراضي التركية باعتبارها وقف عثماني معتمدة في ذلك على جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين، هذه الجماعة التي لا تملك أي بعد وطني أو قومي في منطلقاتها، فهي الأبعد من الانتماء إلى وطن أو قومية وإنما تتماهى في الزيف القائل بوجود أمة إسلامية لها مقوماتها ويمكن كسر الحدود الوطنية والقومية والعودة بالزمن إلى الوراء لفتح العالم أمام حفنة من المرتزقة الذين يرفعون شعارات الدين والدين والإنسانية منهم براء.
سوريا الأمريكية: تبقى الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة الأولى في العالم وتستطيع فرض سيطرتها والاستحواذ على مناطق النفوذ حين تتطلب مصالحها ذلك، لكنها في الحالة السورية لا ترغب في المزيد من السيطرة المباشرة وقد كان الرئيس السابق أوباما واضحا في عدم أيلاء أهمية تذكر للحدث السوري، وأزداد الموقف الأمريكي وضوحا مع تغريدات الرئيس دونالد ترامب المتتالية والتي استقرت أخيرا في اختصاره بالحضور والسيطرة العسكرية على حقول النفط السوري في شرق الفرات دون غيرها.
ما تبقى من عناوين لسوريا لا يمكن النظر إليها إلا باعتبارها اجتهادات أيديولوجية مؤقتة لتمرير الوقت، فمن أدلب التي يتحكم بها ميليشيات متطرفة تقاتل بيأس وتحاول احتضان تركي رسمي بها وبالتالي ضمّها لما يسمى الجيش الوطني، إلى شرق الفرات التي تحاول قوات سوريا الديمقراطية القفز على واقع الصراعات وجرّ الاعتراف الأمريكي ـ الأوروبي بها وأن لم يتوفر هذا الاعتراف، تجنح نحو اعتراف روسيا بها وعطفا على هذه الاعترافات المستحيلة، حمايتها أمام الصراع الوجودي مع تركيا بسبب السيطرة الأيديولوجية والعسكرية لحزب العمال الكردستاني “التركي” على هذه القوات.
الوكلاء السوريون والقوى المسيطرة :
انتهت وكالة القوى المسيطرة للتشكيلات والقوى السورية بدخولها المباشر، انتهت هذه الوكالات بالتدريج، كانت نهاية هذه التوكيلات بإعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب من شرق الفرات كإيعاز منه لتركيا لاجتياح مناطق في شرق الفرات بما سميت عملية نبع السلام، وبات واضحا للجميع ان الوكيل الكردي السوري لم يعد بذي قيمة كبيرة لدى الأصيل، وهو ما كنا نشير إليه منذ البداية، فدخول الحرب بالوكالة عن قوى دولية وإقليمية أفقه محدود ومساحة السير فيه محفوفة بالمخاطر، سرعان ما ينتهي وليس للسوري إلا أخيه السوري وليس له إلا الامتداد العربي له، الذي يظهر في الملمات الكبرى كما توضح الأمر جليا في أزمة وباء كورونا حيث لم يجد السوريين حضور أي من القوى المتصارعة على الأرض السورية فبقيت مبادرة الشيخ محمد بن زايد بمثابة تأكيد بأن لسوريا أهلها من العرب وليس لهم سواهم.
أن شنا أم أبينا، ليس لنا إلا بعضنا، أيا كانت مستوى الخلافات بيننا، لكن الجميع راهن وما زال يراهن على ديمومة هذه التوكيلات للدول المتصارعة، رغم وضوح مشهد النهاية المؤلم والكارثي، فسوريا الروسية لا يمكن أن تكون سورية مهما أظهر وكلاء روسيا الاتحادية من قوة وحضور، فتلك المظاهر تكذبها الوقائع اليومية، وما أزمة ارتفاع الدولار وخطر الموت جوعا الذي يهدد السوري إلا واحدة من تجليات عدم قدرة الوكيل في تسيير أموره ، فلم يكن الوكيل في يوما من الأيام بديلا عن الأصيل حين يحضر، كذلك سوريا الأمريكية والتركية، فوكلاء تركيا والذين يحاربون بالنيابة عن جيشها القوي والمتمكن لا يمكن أن يكونوا إلا وكلاء ومحتقرين أذلاء أمامها، وقد اختبرنا آلام نهاية هذه الوكالة في حلب وحمص وغوطة دمشق وريفها ودرعا، أما الوكالة الأمريكية الأوروبية والتي انطلقت تحت بند محاربة الإرهاب الداعشي فسرعان ما ذابت تحت شمس خريف نبع السلام، وأصبحت أحوال المراهنين عليها والذين بنوا مشاريعهم على ديمومتها تثير شفقة الأقربون والأبعدون.
ما العمل؟
أن الدخول في معترك الصراعات الدولية والتي انهت وستنهي ما تبقى لوكالات لها في الصراع الدائر، يفترض علينا كسوريين بغض النظر عن مواقفنا ورؤانا أن نفتح أبوابنا لبعضنا البعض ونتجه نحو تشكيل جبهة سورية موحدة، قوة سورية تنطلق من سوريا وإلى سوريا ببعدها الجيوسياسي الممتد في العالم العربي، قوة تستطيع أن تقول إن الأرض أرضنا والناس باختلافهم وخلافاتهم ناسنا، لسنا وكلاء لأحد ولن نكون، لسنا شعوب بدائية يأكل أفرادها بعضهم البعض، نحب الحياة ونريد أن نبني بلادنا ولن نكون في صراع مع أحد، من يريدنا نضمن له مصالحه ونحميه من المخاطر التي تنطلق من أرضنا ومن مكونات شعبنا، سنضمن ولكن علينا أن نضمن أمننا وحياتنا، أن ينهي عبث وكلاءه الصغار من أبناء جلدتنا، لم ولن نكون في يوم من الأيام مصدر خطر على أحد، نحن جزء من هذه العالم ومن يريد مساعدتنا من غير امتدادنا الجغرافي، فليفرض السلام على أرضنا وليس أسهل وأكثر عذوبة من السلام والأمان.
ليطمئن العالم ف ” #سوريا_العربية_لن_تبقى_وحدها سوريا ليست يتيمة ولن تبقى وحدها.