سوريا بين ديمقراطية الدستور ونفي الدولة
للحرية محتوى حسب ظروف البلاد الذي نعيش فيه وحين قيلَ حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر، كان مفهوماً ثمة خطّاً يجب أن يتوقف عنده الإنسان حتى لا يتخطى حقوق سواه في استخدام حريته الشخصيّة. وقيل في الحرية : “هي مسؤولية…”
فأيّ حرية نريد نحن الآن في زمن تردّي الشعور بالمسؤولية الوطنية لدى البعض من الناس الذين غُرّر بهم إلى حين الاعتقاد بأن حدود العالم تنتهي عند أشخاصهم؟ بل أية حرية يجب أن نسعى إلى ترجمتها إلى واقع في خدمة الآخر لا في استلاب حريته وبالتالي قمعه؟
سوريا تختبر هذه المعادلة في الوقت الحالي، إذ هي تواجه شتى أنواع أسلحة التآمر عليها كي ترضخ لإرادة الآخر، هذا الآخر الذي لم يعش حقاً تفاصيل نضال أبناء شعبنا كي يحقق الاستقلال، وكي يمضي في سبيل جعل قراره الوطني حراً بعيداً عن شوائب التأثير عليه بجعله غريباً عن نسيج الوطن.
الحرية التي يريدها أبناء شعبنا، أن يبقى تاريخنا ناصع البياض، بعيداً عن شعارات لم يكن يؤمن بها يوماً أحدٌ من أبناء الوطن، وبينها شعارات الطائفية وتفرعاتها المختلفة وشعارات المناطقية وحتى القطرية منها. ومن أجل حماية المكتسبات التي تحققت على درب لفظ مثل هذه الشعارات المشبوهة، ينبغي لنا أن نؤمن بإرادة أبناء وطننا، وعلى وجه التحديد بمن يؤمن بأن خلاصه من خلاص الآخر على درب البناء لا الهدم ولا التخريب ولا تخطي أخلاقيات السعي من أجل تحقيق حريته. وما تشهده بلادنا في الزمن الراهن، يضع هذه المعادلة على دفتي الميزان، وبالتالي أمام وعي الجماهير التي خبرت أزمنة النضال من أجل تحقيق الاستقلال بغية بناء وطن قادر على الصمود في مواجهة أعدائه، وقادر من جهة أخرى على حماية أمن مواطنيه.
إن سوريا اليوم، وهي تعيد اختبار الامتحان الصعب الذي تتعرّض له، مع تبعات ما أُعدّ لها من قبل أعدائها، في الداخل أو في الخارج على حدّ سواء، سوريا التي استعصت على التآمر ضدّ هويتها الوطنية بالأمس قادرة على تجنّب سقوط هويتها في خندق المتآمرين عليها، بدعم من قوى خارجية لم تعد خافية على أحد. فسلاماً على روح شهداء الوطن عسكريين ومدنيين معاً.
وفي كل الأحوال ستبقى الحرية مطلباً ملحاً لكل واحد يؤمن بأن سورية الأمس، سورية النضال والانتصارات، لن تفقد ألقها رغم ظرف الامتحان، وسوف تبقى منارةً تهدي السفن الضالة في أعماق البحار إلى شواطئها الآمنة. تلك هي الحرية التي نريدها.
كلمة أخيرة ألا تتفقون معي أن خلاص هذه الأمة في دستور ديمقراطي ولكن أيّ دستور؟ وهل الدستور الديمقراطي ينفي الدولة ؟ وهل فعلاً ما نحتاجه اليوم يحدده قوة الحوار الإيديولوجي أم للقصة عنوان آخر أم نحن موجودون في بداية التاريخ والتاريخ مختفي في وقتنا الراهن..؟؟!!