الصندوق الأسود

الله تعالى حرم جرما كهذا .. أنا مستعد لأي عقاب تفرضه علي السماء بعد ذلك . أريد منكم أن تتابعوني بجوارحكم ، فمنذ هذه اللحظة بدأت أفارق الحياة .
قبل أيام شاهدت صديقي ، يتمرغ ببركة وحل قريبة من بيتي . هرعت إليه على أمل أن أنقذه ، لكن لن تصدقوا ما حدث ، فعندما مددت يدي لأرفعه من هذا المستنقع الوحلي مد يده وحاول جذبي للأسفل بقوة .وفجأة علت ضحكته، وغاص دون ان يكون له اثر في العلن. طلبت المساعدة من رجال الدفاع المدني الذين بحثوا مثلي ايضا ولم يجدوا شيئا .وادركت ان رفيقي ساعتها لم يعد موجودا على سطح الارض بل في أعماقها المظلمة .
لقد غاب صديقي المحشو بمعارف العالم والكون .. إضافة إلى عشرين لغة تعلمها بنفسه ..
المهم أنه ترك بيته قبل هذا الحدث المشؤوم وعاش في الغابة المجاورة على الشجر كالقرود . لم يره أحد إلا عاريا تغير شكل جسده أصبح منحنيا حتى أن جبهته كادت أن تلامس الأرض. صار يزور المدينة ليلا يترك سيلا من بوله على الجدران والأبواب والأرصفة ثم يختفي في الهواء . هل تصدقون ذلك؟
لصديقي قدرات عجيبة أذهلت أهل حينا فسموه الشيطان ، وسموه الرجل العارف ، وسيد العلوم , والمخترع الدجال ، والعبقري المجنون.
وكانت المفاجأة التي صعقتني .فقد جاء إلي بعد منتصف الليل بابتسامة قردية وجسد موحل نبتت عليه أعشاب مهملة مائلة للحمرة . وكان يحمل صندوقا اسود صغيرا. على سطحه زر وحيد احمر اللون .سألته عن سبب هذا الخراب الذي هو فيه .زأر حتى أن الأرض مادت تحتي . وتدفق صوته بهدوء بعد ذلك : لقد لملمت أصوات حيوانات الغابة منذ بدء الخليقة و أودعتها هنا في هذا الصندوق مع أصوات الرعد والريح . ضغط على الزر فانفتح الصندوق مطلقا ذبذبات من جوفه اشتدت وعلت ثم اهتزت البيوت وتهدمت على ساكنيها لدرجة انه لم يبق حجر ولا بشر . لقد فعل ما عجزت عنه الزلازل والبراكين هنا خلعت نظارتي ، كسرت زجاجها .. ثم قطعت شرايين معصمي .. وبالدم النازف كتبت ما حدث لنا .