إفتاء
……
أخيرا توقفت عنن الاتصال بالعالم الخارجي. عزلت نفسي في غرفتي الوحيدة ، تبضعت ببعض المؤن ، واختفيت بين الجدران الأربعة . النافذة كانت الشيء الذي يدلني على تبادل الليل والنهار لاغير مع محيطي. ولم اطلب غير ذلك . لقد اماتني البشر كثيرا فرغم فقري الشديد وتيتمي باكرا ، الا ان التعاطف معي كان يشبه لعب الأطفال بحية شموس عند ربطها بخيط وقيادتها بفظاظة وقسوة . أرغب بتحطيم هذه المعادلة المرضية . لذا حبست جسدي لا عقلي هنا . وتمتعت بقدرة التأمل والهدوء وممارسة اليوغا اليومية وكتابة القصص. ستة أشهر لم اقابل أحدا أو اتكلم مع روح بشرية . الاحلام وعالمي المتخيل الذي كنت أبنيه لحظة بلحظة هو كل ما رايته . وبما انني انقطعت كليا عن الاحداث التي تجري خارج الغرفة ، فقد نبهتنني الثقوب الكثيرة التي علّمت الجدران ،على ان طريق البقاء بعيدا عن الضوضاء والظلم الإنساني مستحيل . كل الرصاص الذي ثقب المساحة الإسمنتية للجدران ، أفرغني مني فهويت على البلاط المتسخ المحفور بيد الزمن .وقلت ان العالم يحتضر في الخارج وسيقودني إلى طريق المقبرة عاجلا أو آجلا ، وانا في اول شبابي . ولم يطل الوقت كثيرا حتى سمعت ليلا صراخا وانفجارات لقذائف وهدير دبابات وازيز رصاص في العتمة المضنية . كان علي ان اهرب الى الغابة التي لم يدخلها انسان فاعيش على شجرة او في كوخ ارفعه بنفسي بدلا من البقاء هنا في المدينة الاسمنتية .العزلة لا تحتاج الا الى قرار ساحق لا رجعة عنه . هنا وانا مخمور في اوهامي المستقبلية ، فتح الباب بقوة ،ودخل اناس مسلحون يلبسون ثيابا سوداء ويطلقون لحى طويلة . نظروا إلى بإمعان او بالأحرى تأملوا هيكلا من جلد وعظم .. ثم تكلم قائدهم معي بعد ان تفرس مكتبتي التي تغطي الجدران الاربعة وقال تعال معنا ستكون مفتيا لنا ، فقد سمعنا انك عالم بأحوال الدين وفقيه موثوق . ومن وقتها صرت رجلهم الاول افتي حسب الشريعة بالذي يجب ان يموت او بالذي يجب أن يعيش… ومرت شهور على استلامي ذلك المنصب الذي كنت أكرهه ،إلى ان أسرت من قبل مجموعة انقسمت عن الجماعة التي كنت فيها، وقد أفتى شيخهم بقطع رأسي في الساحة العامة . هذا ماحدث معي ،وأتمنى ألا يحدث معكم .
إفتاء
20