الصرير الكبير
رأى الملك المرصع بالجواهر في حلمه حكيم المملكة جالسا على كرسي المُلْك ..فأمر جنده بتكبيله بالسلاسل ، وزجّه في سرداب تحت الأرض لتنهشه الفئران .
في تلك الليلة ذهب كتلة الجواهر إلى مخدعه كي ينام ، لكن ما إن لامس رأسه سطح المخدة حتى سمع صريرا عظيما ، فنهض مفزوعا ..معتقدا أن حكمه قد سقط أثناء نومه .
انتقل الصرير الكبير عبر الأثير في الأزقة والممرات والأنفاق السرية والحجرات العديدة والقاعات التي كان تقام بها حفلات السمر.. والحمامات القديمة . هجر النوم مولانا الملك ، فمرض. وخفت همته ..وثقل سمعه . اجتمع بحكمائه ومستشاريه وقادة جنده وأمرهم بمحاربة ذلك الصرير الضاري الذي يغزو مملكته.
بدأ الجند يطاردون الصرير من مكان إلى مكان . فسجنوا الحدادين وأغلقوا محلاتهم وصادروا العربات الحديدية والمعاول وقضبان الحديد وعلب الصفيح والسيوف والدروع والتروس .وكل شيء يمكن أن يصدر صريرا ورنينا ، كالذهب والفضة والنحاس والخلاخيل . حتى أنهم منعوا الصراخ والمشي بالقباقيب .. والعزف على آلات وترية .
اتضح أن تلك الوسيلة للقضاء على الصرير بدت عقيمة وغير مجدية . فالملك صار مشوشا وغارقا في عوالم كلها من صرير . قرر الخروج من مملكته هذه إلى قصره المبني فوق جزيرة تحيط بها مياه البحر .
هدير الأمواج المرتطمة بالصخور لم يمنع الصرير من تسلق الجدران العالية والتغلغل في أذني مولانا الملك .. على الرغم من أنه وضع فيهما قطنا مبللا بالزيت.
وفي أحد الأيام دخل عليه قائد الجند مبتسما ،وأخبره بأنه عرف الشخص الذي يصدر ذلك الصرير . وفور سماع تلك الكلمات ذهب الملك مع قائد جنده وحراسه الأشداء للقبض عليه وعلى صاحبه .
نزل الملك وقائد الجند وحراسه وحكمائه ومستشاريه ،إلى حيث سجن الحكيم في باطن الأرض ، وما إن فتحوا باب الزنزانة حتى بدأ الصرير يعلو أكثر فأكثر ، ولأن صاحبنا الحكيم لم يكن سوى هيكل عظمي ملفوف بالسلاسل ، فقد أمر الملك بفك زرد الحديد عنه وتذويبه مع صريره في فرن للصهر .
يحكى أن الملك في ذلك اليوم قد مات فوق سريره ، وهو يضع كلتا يديه على أذنيه ،وفمه مفتوح على آخره .