سقوط آخر معاقل الإرهاب الإسلامي والنفوذ التركي في سوريا
مزري هو الحال الذي انتهت إليه “الثورة” السورية أو الإرهاب في سوريا. سمها ما شئت تلك الأحداث التي بدأت قبل ثماني سنين عجاف في مدرسة بدرعا وحتى مقاعد الطائرة الخضراء التي أقلت قبل أسابيع مرتزقة إردوغان في سوريا إلى ليبيا ونحن في حيرة من أمر تطابقها مع خضار الباصات التي عملت على كنس الإرهابيين بعد تحرير كل منطقة في سوريا من الإرهابيين الذين كانوا يسمون بمسلحي المعارضة الإسلامية “المعتدلة” في زمن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
مشكلة رجب طيب إردوغان عويصة. مشكلته ليست فقط في سوريا بل ومع الجوار كله، سواء أكان حقا رئيس التنظيم السري العالمي لجماعة الإخوان المسلمين أو مجرد الراعي الرسمي لإرهابهم “الخشن والناعم”. إن الثمن الذي يدفعه إردوغان الآن في إدلب أكثر كلفة مما كان يظنه عند ترتيب التفاهمات المرحلية مع القطبين الوحيدين في سوريا والمنطقة كلها وهما الولايات المتحدة وروسيا.
ظن الرئيس التركي واهما أنه قادر على توظيف التوترات الإقليمية والتنافس الدولي لصالحه فكانت النتيجة سقوط كارثيا مدويا بدأت ملامحه بالتشكل على الجبهات كافة: مع الكرد وجميع إثنيات شمال شرق سوريا، ومع من كان يدعي حمايتهم “المسلمين السنة” وإسلامييه “المعتدلين” في آخر معاقلهم في إدلب، حيث لا تكاد ترى فارقا في ممارسات النصرة عن داعش عن عشرات الفصائل التي لم تر في تاريخ سوريا والمنطقة سوى دين واحد وطائفة واحدة ومنهج دموي إجرامي إرهابي واحد. في مفرداتهم لا خلاف على فهمهم للجهاد والنكاح والحاكمية والجاهلية جميعهم يرجع إلى المراجع ذاتها في ذبح الأوطان والأديان والإنسان على الهوية!
كان متوقعا بل وحتميا الصدع الروسي التركي بعد الصداع المتكرر الذي تسببت به رأس إردوغان لهامة بحجم الرئيس الروسي فلاديمر بوتين الذي بدأ يعد العدة لانتهاء ولايته الرئاسية الأخيرة. هناك ملفات استراتيجية كبرى لا مكان فيها للخروج عن المسار المدروس منذ قراره الأول بدعم الدولة السورية ووحدة أراضيها.
لم يفهم إردوغان أيضا الرسالة بعد، مع استعداد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لولاية رئاسية ثانية وأخيرة بحسب الدستور الأميركي. هو أيضا له حسابات استراتيجية كبرى تتفق مع بوتين في الحفاظ على وحدة سوريا، لكن الأهم هو تأمين خروج طوعي آمن أو قسري مذل لجميع القوات والقوى غير السورية من سوريا، اللهم باستثناء ما تفاهم عليه الكبيران ترامب وبوتين.
من الجلي أن تصفية زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي في إدلب حيث جوار النصرة وجيرة أنقرة، ومن ثم تصفية أميركا لقاسم سليماني قائد فيلق القدس وأبو مهدي المهندس نائب قوات الحشد الشعبي في العراق، وما شكلته تلك التصفية من تحجيم لإيران ولأدواتها، قد عبر عن الإرهاصات الأمنية الأولى لترتيبات عسكرية ومن ثم سياسية فاقتصادية كبرى تبشر برؤية الكبار للمشهد الشرق أوسطي برمته في العشرية الراهنة.
إن تحرير منطقة سراقب الاستراتيجية في محافظة إدلب رغم صياح إردوغان، يؤذن بانبلاج فجر تحرير سوريا بالكامل من التوغل والنفوذ التركي. فالصدام مع روسيا تهشيم للعظم لا كسرا له فحسب. إردوغان ما زال مستمعا جيدا للنصائح وحتما يذكر نصيحة ترامب له بعيد توغله في شمال شرق سوريا عندما نصحه ترامب بألا يكون عنيدا وغبيا..