لا جديد تحت الشمس
تروي الحكاية عن حكيم خرج مع طفله في رحلة، ليعرفه على محيطه بعيداً عن صخب المدينة وضوضائها، أثناء سيرهما في احد الوديان، تعثر الصبي وسقط، صرخ على إثرها بصوتٍ مرتفع تعبيراً عن ألمه ! فإذا به يسمع من الجهة الأخرى من يكرر صرخته.
تناسى الطفل ألمه ، صارخا على مصدر الصوت: ومن أنت؟؟ جاءه الصدى: ومن أنت ؟؟
الصبي: بل أنا أسألك من أنت؟
ـ بل أنا أسألك من أنت؟
توتر الصبي وصاح غاضباً : أنت جبان وصغير، سألقنك درسا لن تنساه لو واجهتني.
بنفس النبرة يأتي الرد أنت جبان وصغير، سـالقنك دسا لن تنساه لو واجهتني.
وقف الصغير هائجا يتسول والده الهادئ بالنظرات ليتدخل ويفسّر له ما يحصل .
لم يتأخر الوالد الحكيم نظرات الاستغاثة، فطلب منه بهدوء أن يقلب لهجة الكلام، صرخ الولد:
ـ اعتذر منك لأني توترت، أحترمك أيها المجهول.
جاءه الجواب: أعتذر منك لأني توترت، أحترمك أيها المجهول.
الصبي: أنت رائع.
الصوت: أنت رائع.
نظر الصبي إلى ابيه منتظرا تفسيره لما حصل.
الأب: أي بني، نحن نسمي هذه الظاهرة الطبيعية في الفيزياء بالصدى، هي الحياة ذاتها، تلك التي لا تعطيك إلا بقدر ما تعطيها ولا تحرمك إلا بمقدار ما تحرم نفسك منها، الحياة مرآة أعمالك وصدى أقوالك، إذا أردت أن يحترمك أحد فاحترم غيرك، إذا أردت أن يرحمك أحد فارحم غيرك، وإذا أردت أن يسترك أحد فاستر غيرك، إذا أردت الناس أن يساعدوك فساعد غيرك، وإذا أردت الناس أن يستمعوا إليك ليفهموك فاستمع إليهم لتفهمهم. لا تتوقع من الناس أن يصبروا عليك إلا إذا صبرت انت عليهم، أي بني .. هذه سُنة الله التي تنطبق على شتى مجالات الحياة.وهذا ناموس الكون الذي تجده في كافة تضاريس الحياة . إنه صدى الحياة. ستجد ما قدمت وستحصد ما زرعت.
الحكاية تختصر أزمة الكثير من النخب العربية والاسلامية التي لا تسمع إلا صدى شتائمها وصراخها، وإذا كان هناك من يسمع صراخهم المؤلم لسقوطهم المتكرر منذ قرون عديدة، منذ أن جاءت هجمات المغول والتتار صوب بلادهم، فإن شتائمهم تعود إليهم برجع الصدى.