من حكايات الجواسيس والفساد في جهاز الأمن السعودي ـ الحلقة الأولى
لم يسلم جهاز أمن دولة في العالم من قضية الاختراق، حكايات الجواسيس المزروعين في أجهزة الأمن من طرف أجهزة أمن معادية وعبر جماعات أو شخصيات تسقط في مستنقع خيانة الثقة الممنوحة لها، قد عرفنا تفاصيل بعضها عبر التاريخ وبقي الكثير منها في الأدراج السرية، اغتيالات وتسريب معلومات والتسبب في كوارث للجهات المخترقة واعدامات ومحاولة تدمير أوطان هذا ما تكشفه المعلومات عن العميل، سعد الجبري، الذي وصل إلى رتبة عليا في جهاز الأمن السعودي، فمن هو هذا الرجل الفارّ إلى كندا والذي طالبت حكومة المملكة بتسليمه لها بوثائق تؤكد سرقته لمبالغ تتجاوز عشرة مليارات دولار أثناء فترة خدمته كرجل ثاني في وزارة الداخلية، الرجل الذي بدأت وسائل إعلام قطرية وغربية ممولة من قطر بتلميعه في الفترة الأخيرة؟
تم تجنيد سعد الجبري في الإخوان المسلمين أثناء ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية بمنحة دراسية على حساب حكومة المملكة مستغلين ميوله التركية حيث كان جده أحد جنود الحامية التركية في الإحساء ثم استقر بعدها في قرية بالقرب من حائل وقد عرف بين أبناء القرية بانسحاقه أمام الترك وانبهاره بتاريخ الدولة العثمانية التي لم تقدم للعرب إلا الخراب والدمار والجهل والترويع، كانت خطوة تجنيده في الجماعة الإخوانية على يد أحد عناصر الاستخبارات التركية حيث أشرفوا على تدريبه وتوجيهه وتم تعيينه في حكومة الظل للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين وتكليفه بمهمة اختراق الدولة السعودية عبر أهم مفاصلها الأمنية، وزارة الداخلية.
استطاع الجبري الذي أنهى دراسته في جامعة أدنبرة التسلل إلى مفاصل أهم وزارة سيادية في المملكة عبر أذرع جماعة الإخوان المسنودة من جهاز الاستخبارات التركي، المعروف بالميت، كان الاختراق موفقا لولا لطف الله وغيرة الساهرين على أمن المملكة واندفاعة الإخوان الدموية للانقضاض على العالم العربي ومركز ثقله المتمثل في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بعد أن ظنوا أن الأمر استتب لهم في جمهورية مصر العربية، فمع حمامات الدم التي تدفقت في العالم العربي تحول مكتب الرجل الثاني في وزارة الداخلية السعودية إلى مقرّ لقادة الإخوان يطلعون فيها على مجريات الأمور ويحاولون التحكم فيها وينقلون أسرار الدولة إلى رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان الذي ارتبط بعلاقة قوية مع الجبري بحكم تبعية الأخير له في الميت التركي، وكان قرار الملك الراحل، المغفور له، عبد الله بن عبد العزيز، بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية هو بداية انكشاف حبل الكذب والخيانة الذي سرعان ما سيلتف حول رقبة سعد الجبري لتظهر بالتدريج ملفات الفساد والخيانة وفصل آخر من فصائل الجماعة الإخوانية التي حاولت مرارا تدمير دول العالم العربي وكانت الدول ذات الثقل لهم بالمرصاد.
كانت نخب المملكة المستقرة وأجهزتها الأمنية تدعو بشدة لردع دموية الإخوان واندفاعتهم الجنونية للخراب، مدفوعين بالغيرة على بلادهم وأمنها واستقرارها ومستقبل أبنائهم وأحفادهم إلا سعد الجبري وجماعته الذين وقفوا بشدة ضد القرار وحاولوا الحصول على المعلومات حول ما يُرسم لمستقبل أعضاء الجماعة، فأثار موقفه حينذاك الريبة، إلا إن وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف، كان يثق بالرجل ثقة عمياء وكانت أعباء العمل تمنعه من التدقيق في الرسائل التي تصله عبر جهات سيادية أخرى وأمراء من العائلة، كان غرور الجبري وجماعته ومجالسيه من أمثال الفنيسان وعوض القرني وسلمان العودة مسنودا على وهم أحكام السيطرة على مفاصل الدولة وظهر أنهم وزعوا سلفا المناصب والهياكل الحكومية وطرق تقاسم الثروات مع حكام قطر وتركيا ورؤوس التنظيم الدولي للإخوان، بل وصلت بهم الأمور أنهم قسموا المملكة بينهم وبدأوا في تأسيس ميليشيا داخل الدولة لحماية وهمهم المتضخم ووضعوا خطة لاعتقال ومحاكمة الملك وولي العهد ورجالات الحكم.
كان الجبري يستند في تحركاته على صندوق مصروفات أنشئ في وزارة الداخلية ووضع تحت تصرفه لثقة وزير الداخلية المطلقة به، سمي الصندوق ب ” البند السري” لمكافحة الإرهاب، أنشئ هذا البند السري بموافقة الملك الراحل، عبد الله، لأجل مكافحة الإرهاب وتسهيل شراء المعدات والتقنيات اللازمة لهذا الأمر، هذا الصندوق هو موضوع السرقة موضوع الملاحقة الحكومية السعودية للعميل الأمني، سعد الجبري، حيث أدار العميل هذا البند مع مجموعة من أقاربه من خلال عدة شركات بأسماء أولاده وأصهاره وأبناء العائلة ليتسنى له تهريب مليارات الدولارات خارج البلاد وشراء قصور وشركات في تركيا والولايات المتحدة الأمريكية والملاذات الضريبية التي فضحتها الوثائق، كشفت الحكومة السعودية النقاب عنها وحولت ملفها للإنتربول الدولي بانتظار استعادة العميل ومحاكمته حسب القوانين النافذة.
لم يختصر خطورة سلوك العميل، سعد الجبري، على إنهاك الدولة وأجهزتها عبر الفساد والإفساد المالي وسرقة ونهب المال العام، بل تعدى ذلك إلى إنهاك الدولة السعودية بتسريب المعلومات للمنظمات الإرهابية المدعومة من حكومات قطر وتركيا وتشويه المجتمع السعودي وتحويله إلى دولة مصدرة للإرهابيين، وكان الهدف دائما هو اسقاط الدولة وتعميم الخراب وتعطيل عمل مكافحة الإرهاب الذي كان العميل على رأس الدائرة المكلفة بمكافحة هذه الآفة التي تمددت مع تدفق الدماء في العالم العربي في مطلع العالم 2011 وكانت فورة المظاهرات وشعارات التضليل والتطبيل لديمقراطية الإرهاب وسفك الدماء والذبح تنعش سوق العميل الجبري الذي تلقى هدية من الرئيس التركي، أردوغان في العام 2013، قصر في أنطاليا التركية وآخر في طرابزون وتسهيل سرقة الأموال ووضعها في بنوك سويسرية لقاء خدماته الاستخباراتية وخيانته لبلاده.
كان اعتلاء الملك سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة بعد رحيل الملك عبد الله بداية مرحلة جديدة في تاريخ الدولة السعودية، وكانت البداية بحملة إعادة ترتيب البيت السعودي الذي تعرض للكثير من الضربات جراء الخيانة الكبرى في واحدة من أهم مفاصل الدولة، فأوعزت هاكان فيدال للعميل الإخواني بالهروب قبل صدور أمر رفع الحصانة عنه بساعات، مما يشير لوجود اختراقات أخرى ربما تم اعتقالها وتكون هي مصدر بعض التفاصيل التي نشرت لاحقا عبر حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي تابعة للدولة السعودية، فهرب في نفس اليوم على متن طائرة خاصة إلى تركيا بحجة العلاج لينتظر هناك لفترة حتى صدرت في حقه مذكرة قبض موجهة للانتربول التركي فتم تهريبه للولايات المتحدة حيث يملك هناك أرصدة وأملاك من مسروقاته من صندوق مكافحة الإرهاب وهناك تقدم بطلب اللجوء السياسي إلا إن الطلب قوبل بالرفض لعلم الدولة الأمريكية بأمره وتلقيها التفاصيل من الجهاز السعودي تؤكد تورطه في قضايا فساد وخيانة وطنية فانتقل إلى كندا مستغلا تدهور علاقات كندا مع المملكة على خلفية محاولة كندا اختراق العالم العربي عبر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
في كندا بدأ الجبري بالاستعداد لمرحلة جديدة من العمل ضد دولته وشعبه للتغطية على سرقاته وخيانته لبلاده فتواصل مع مجموعة من الصحفيين والعملاء ومنهم عملاء متورطين في الترويج لتنظيم داعش والقاعدة ” السعودي الهارب عمر عبد العزيز نموذجا” وبدأ حملته بتأسيس جيش الكتروني من العملاء المنتمين لتنظيمات إرهابية متفرعة من تنظيم الإخوان المسلمين، سماه جيش النحل الالكتروني بإشراف السعودي الآخر الهارب، ج خ، الذي كان أحد أضلع الاختراق التركي القطري لجهاز الأمن السعودي، كما قام بالترويج لنفسه باعتباره معارضا سياسيا تعمد السلطات السعودية إلى تشويه سمعته باتهامه بالسرقة والفساد والخيانة وهذا ما كشفته السلطات الأمريكية حين رفضت قبول ذلك، إلا إنه استطاع شراء بعض الذمم بمساعدة اللوبي الإخواني القوي في أمريكا والمدعوم من حكومات قطر وتركيا وأوساط الحزب الديمقراطي ورجال الأعمال الذين لم يجدوا مكانا لهم في الاستثمار في مشاريع التنمية التي ازدهرت مع عهد الملك سلمان وتولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد والبدء بمشاريع اقتصادية ضخمة متنوعة.
قام العميل سعد الجبري بتوريط الكثير من رجال المال والسياسة في قضايا فساد وإفساد ولعل الأيام ستوضح لنا الكثير عن الحملة على الفساد التي قادها الأمير، محمد بن سلمان، على رجال المال والسياسة ووصل الأمر لاعتقال مسؤولين وأمراء معروفين ألقت بظلالها على تغيير الخارطة السياسية في المنطقة العربية وتخلي المملكة عن بعض الحلفاء، حيث وضحت بعض التسريبات تورط شركات كبيرة مثل شركة أوجيه سعودي مع العميل مقابل إرساء مشاريع مليونية لوزارة الداخلية لهذه الشركة، وقد أضاءت صحيقة وويل ستريت جورنال wsj الأمريكية بعض الأعمال الشنيعة التي أقدم عليها العميل الجبري، ومنها نستنتج أسباب الحملة الممنهجة على ولي العهد السعودي من أطراف كثيرة كانت مستفيدة من الفساد المنظم الذي قاده العميل الجبري عبر شبكة متغلغلة في المملكة.
بداية انكشاف شبكة التجسس التي قادها الجبري كان مع تعيين الملك الراحل عبد الله في العام 2011 للأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز مساعدا لوزير الداخلية للشؤون العامة بمرتبة وزير، الأمر الذي أثار رعب العميل الجبري بقراراته الحازمة والتي سرعت بقرار تقاعده كما سحبت الكثير من صلاحيات الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية حينذاك، فسارع الجبري للاستنجاد بالأمير الوزير مستغلا ثقته المطلقة، كان رعب العميل من كشف ملفات الفساد الكبرى هي التي تدفع به لتزوير رسالة شفهية من الأمير الوزير إلى مدير مكتب الملك الراحل، خالد التويجري لأجل إعداد خطة تقضي بترقية الأمير سعود رئيسا لديوان ولي العهد وإخراجه من وزارة الداخلية ونجحت مؤامراته على الأمير سعود بمساعدة آخرين متنفذين لم تكشف الوثائق المسربة حتى الآن عن أسمائهم ولكن على الأغلب بات تفاصيل الشبكة تحت يد سلطات المملكة وما حملة الافتراءات والتضليل التي يقوم بها رعاة شبكة التجسس عبر أذرعهم الإعلامية والرسمية مثل مستشار أردوغان ومرتزقة قطر والإخوان على المملكة سوى تعبير عن صرخة هؤلاء من ألمهم لاكتشاف أمرهم وصدهم عن تنفيذ ما كانوا يخططون له.
كانت خيبتهم كبيرة بتولي الملك سلمان عرش المملكة، حيث كان الملك قبل توليه العرش أكبر المتصدين لمؤامرة الجواسيس من أمثال الجبري في تصعيد رموز الإخوان ” سلمان العودة وسفر الحوالي الموقوفين في قضايا إرهاب “حيث وصف الملك سلمان العودة ب”الثعبان” رغم محاولات الجاسوس الجبري بمحاولة تبييض سمعة العودة بمزاعم أنه تائب وأنه تحول إلى شخص آخر، ولكن الأفعى كان يخطط لتدمير البلاد بسمومه وكان مصيره ما نراه الآن وما محاولات الإخوان عبر أذرعهم بتقديمه كمعتقل رأي إلا لتضليل الرأي العام وإخفاء حقيقة تجسس العودة لصالح أعداء المملكة ومحاولته المس بأمن البلاد والعباد.
كان خبر نية معاذ لتلبية دعوة والده سلمان العودة للجهاد مع القاعدة في العراق ولجوءه للداخلية السعودية عبر الجاسوس الجبري لاستعادة ابنه قبل التحاقه بدعوة أبيه أبناء الناس للجهاد في العراق وسوريا فضيحة يندى لها الجبين وكانت إحدى النقاط التي وضعت الجاسوس الفاسد في دائرة الضوء، حيث سارع الجبري بالقبض على ابن معلمه الإخواني، سلمان العودة إلى بيته دون إلحاقه بمركز المناصحة الذي كان يشرف عليه.
جاءت خطوة خلع الإخواني محمد مرسي من رئاسة مصر بعد مظاهرات مليونية في القاهرة ودعوة وزير الدفاع لإنقاذ مصر إحدى العوامل الأساسية في كشف اختراق الجاسوس، فقد بذل الجاسوس جهوده لعرقلة جهود المملكة في الوقوف مع الشعب المصري للتخلص من وباء الإخونه الذي أطبق بأنفاسه على جمهورية مصر العربية، فحاول الجاسوس اقناع المقربين منه بخطورة الرئيس عبد القتاح السيسي زاعما أن الرئيس الذي كان وزيرا للدفاع حينذاك بأنه ناصري وعدو للسعودية وأن الولايات المتحدة وبريطانية وفرنسا لن يقبلون بدعم الرئيس السيسي وأن الإخوان قوة قاهرة لايمكن الوقوف بوجههم ـ قالها بالحرف حسب مصادر أمنية سعودية، ، محاولةً من الجاسوس ليقوم الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، برفض المحاولات واتجه لدعم الرئيس السيسي الذي نجح في دحر الإخوان، بل كانت السباقة لإعادة الأمن والسلام لربوع مصر بعد أن كانت قاب قوسين وأدنى لتتحول إلى سوريا أخرى في قلب العالم العربي.